فيكلّمني. . . " الحديث، متّفقٌ عليه، فيجوز أن يُمكّن اللَّه تعالى نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من هذا الجنّيّ مع بقاء الجنّيّ على صورته التي خُلق عليها، فيوثّقه كما كان سليمان -عليه السلام- يوثقهم، ويرفع الموانع عن أبصار الناس، فيرونه مُوثَقًا حتى يلعب به الغلمان.
ويجوز أن يشكّله اللَّه تعالى في صورة جسميّة محسوسة، فيربطه، ويُلعَب به، ثم يمنعه من الزوال عن تلك الصورة التي تشكّل فيها، حتى يفعل اللَّه ما همّ به النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وفي هذا دليل على رؤية بنىِ آدم الجنّ، وأما قوله تعالى:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ}[الأعراف: ٢٧] إخبار عن غالب أحوال بني آدم معهم، واللَّه تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
وقال في "الفتح": وفي قوله -صلى اللَّه عليه وسلم -: "فذكرت دعوة أخي. . . إلخ" إشارة إلى أنه تركه رعايةً لسليمان -عليه السلام-.
ويَحْتَمِل أن تكون خصوصية سليمان -عليه السلام- استخدام الجنّ في جميع ما يريده، لا في هذا القدر فقط.
واستَدَلّ الخطابيّ بهذا الحديث على أن أصحاب سليمان -عليه السلام- كانوا يرون الجن في أشكالهم وهيئتهم حال تصرفهم، قال: وأما قوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} فالمراد الأكثر الأغلب من أحوال بني آدم.
وتُعُقِّب بأن نفي رؤية الإنس للجن على هيئتهم ليس بقاطع من الآية، بل ظاهرها أنه ممكن، فإن نفي رؤيتنا إياهم مقيدٌ بحال رؤيتهم لنا، ولا ينفي إمكان رؤيتنا لهم في غير تلك الحالة.
ويَحْتَمِل العموم، وهذا الذي فهمه أكثر العلماء، حتى قال الشافعيّ: من زعم أنه يرى الجنّ أبطلنا شهادته، واستَدَلّ بهذه الآية. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي فيما نُقل عن الشافعيّ إن صحّ نظرٌ؛ لأن حديث الباب يردّه، كيف وقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "حتى تُصبحوا، فتنظروا إليه"، وقال: "يلعب به ولدان أهل المدينة"، فهل بعد هذا النصّ يمكن إنكار رؤيتهم كلّا ثم كلّا، وأما الآية فقد وجّهها العلماء، كما سبق آنفًا، والحاصل أن النفي محمول على الأغلبيّة، أو هو مقيّد بحال رؤيتهم لنا.
وعندي يَحْتَمل أن يكون المنفيّ رؤية الناس لهم عند الإغواء، فهم