يُصْنَع بالشام؟ فشاور النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- المسلمين في ذلك، فَرَأَوْا أن يتخذه، فقال العباس بن عبد المطلب: إن لي غلامًا يقال له: كلاب أعْمَلُ الناسِ، فقال:"مره أن يعمل"، الحديث، ورجاله ثقات إلا الواقدي.
خامسها: تميم الداري، رواه أبو داود مختصرًا، والحسن بن سفيان، والبيهقي، من طريق أبي عاصم، عن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، عن نافع، عن ابن عمر: أن تميمًا الداري قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمّا كثر لحمه: ألا نتخذ لك منبرًا يحمل عظامك؟، قال:"بلى"، فاتخذ له منبرًا، الحديث، وإسناده جيد.
سادسها: ميناء، ذكره ابن بشكوال عن الزبير بن بكار: حدثني إسماعيل، هو ابن أبي أويس، عن أبيه، قال: عمل المنبر غلام لامرأة من الأنصار، من بني سَلِمَةَ، أو من بني ساعدة، أو امرأة لرجل منهم، يقال له: ميناء. انتهى.
قال الحافظ: وهذا يَحْتَمِل أن يعود الضمير فيه على الأقرب، فيكون ميناء اسم زوج المرأة، وهو بخلاف ما حكيناه عن ابن التين أن المنبر عمله غلام سعد بن عبادة، وجوّزنا أن تكون المرأة زوج سعد.
قال: وليس في جميع الروايات التي سُمِّيَ فيها النجارُ شيء قويّ السند، إلا حديث ابن عمر، وليس فيه التصريح بأن الذي اتخذ المنبر تميم الداريّ، بل قد تبيّن من رواية ابن سعد أن تميمًا لم يعمله.
قال: وأشبه الأقوال بالصواب قول من قال: هو ميمون، لكون الإسناد من طريق سهل بن سعد أيضًا، وأما الأقوال الأخرى فلا اعتداد بها لِوَهَائها، ويَبْعُد جدًّا أن يُجْمَع بينها بأن النجّار كانت له أسماء متعددة، وأما احتمال كون الجميع اشتركوا في عمله، فيَمْنَع منه قوله في كثير من الروايات:"لم يكن بالمدينة إلا نجار واحد"، إلا إن كان يُحْمَل على أن المراد بالواحد الماهر في صناعته، والبقية أعوانه، فيمكن، واللَّه تعالى أعلم.
ووقع عند الترمذيّ، وابن خزيمة، وصححاه من طريق عكرمة بن عمار، عن إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس:"كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقوم يوم الجمعة، فيسند ظهره إلى جِذْع منصوب في المسجد، يخطب، فجاء إليه رُومِيّ، فقال: ألا نصنع لك منبرًا"، الحديث، ولم يسمّه، فيَحْتَمِل أن يكون المراد بالرومي تميم الداري؛ لأنه كان كثير السفر إلى أرض الروم، وقد عرفت مما تقدم سبب عمل المنبر.