وقالت طائفة أخرى: يبدأ بالصلاة إلَّا أن يكون الطعام خفيفًا، حكاه ابن المنذر عن مالك.
وهذا يَحْتَمِلُ أنه أراد أن الخفيف من الطعام يُطمَع في إدراك الجماعة بخلاف الطعام الكثير، فيَختصّ هذا بالعشاء.
وهذا بناء على أن وقت المغرب وقتٌ واحدٌ، كما هو قول مالك والشافعيّ في أحد قوليه.
ونَقَل حربٌ عن إسحاق أنه يبدأ بالصلاة إلا في حالين: أحدهما أن يكون الطعام خفيفًا، والثاني: أن يكون مع جماعة، فيشقّ عليهم قيامه إلى الصلاة.
وهؤلاء قالوا: إن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بتقديم العَشاء على الصلاة حيث كان عَشاؤهم خفيفًا كما كانت عادة الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في عهد النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يتناول أمره غير ما هو معهود في زمنه.
وروى أبو داود بإسناده عن عبد اللَّه بن عبيد بن عمير، قال: كنت مع أبي في زمان ابن الزبير إلى جنب عبد اللَّه بن عمر، فقال عباد بن عبد اللَّه بن الزبير: إنا سمعنا أنه يُبدأ بالعشاء قبل الصلاة، فقال عبد اللَّه بن عمر: ويحك ما كان عشاؤهم؟، أتُراه كان مثل عشاء أبيك؟ (١).
وأخرج البيهقيّ من حديث حُميد قال: كنّا عند أنس بن مالك، فأذّن المؤذّن بالمغرب، وقد حضر الْعَشاء، فقال أنس: ابدؤوا بالعشاء، فتعشّينا معه، ثم صلّينا، فكان عشاء خفيفًا.
وقالت طائفة: يبدأ بالصلاة إلا أن يكون الطعام يُخاف فساده؛ لما في تأخيره من إفساد الطعام، وهذا قول وكيع، رواه الترمذيّ في "جامعه" عنه.
قال ابن رجب: وفي هذا القول بُعد، وهو مخالف ظاهر الأحاديث الكثيرة.
قال: وللإمام أحمد -رَحِمَهُ اللَّهُ- في المسألة ثلاثة أقوال:
[أحدها]: أنه قال في رواية أبي الحارث، وسُئل عن العشاء إذا وُضع،