للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأقيمت الصلاة؛ فقال: قد جاءت أحاديث، وكان القوم في مجاعة، فأما اليوم فلو قام رجوت.

وهذه الرواية تدلّ على أن تقديم الأكل على الصلاة مختصّ بحال مجاعة الناس عمومًا، وشدّة توقانهم بأجمعهم إلى الطعام، وفي هذا نظر، وقد يُستدلّ له بما رواه أبو داود بسنده عن محمد بن ميمون الزعفرانيّ، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُؤَخَّر الصلاةُ لطعام ولا لغيره" (١).

وأخرجه الطبرانيّ، ولفظه: لم يكن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يؤخّر صلاة المغرب لِعَشَاء ولا غيره (٢).

وهذا حديث ضعيف لا يثبت، ومحمد بن ميمون هذا وثّقه ابن معين، وغيره، وقال البخاريّ، والنسائيّ: منكر الحديث.

وروى سلام بن سلام المدائنيّ: ثنا ورقاء بن عمر، عن ليث بن أبي سُليم، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا حضر العَشاء، والصلاةُ، فابدءوا بالصلاة"، أخرجه تمّام الرازيّ في "فوائده"، وقال: هكذا وقع في كتابي، وهو خطأٌ، وليث بن أبي سُليم ليس بالحافظ، فلا تُقبل مخالفته لثقات أصحاب نافع، فإنهم رووه: "فابدءوا بالعَشاء" كما تقدّم، وسلام المدائنيّ ضعيفٌ جدًّا.

[والقول الثاني]: نَقَل حرث عن أحمد قال: إن كان أخذ من طعامه لقمة، أو نحو ذلك فلا بأس أن يقوم إلى الصلاة فيصلّي، ثم يرجع إلى العَشاء؛ لأن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَحتزّ من كتف الشاة، فألقى السكين، وقام، وكذا نَقَل عنه ابنه عبد اللَّه، والأثرم.

وحاصل هذا القول: إن كان أكل شيئًا من الطعام، ثم أقيمت الصلاة قام إليها، وترك الأكل، وإن لم يكن أكل شيئًا أكل ما تسكن به نفسه، ثم قام إلى الصلاة، ثم عاد إلى تتمّة طعامه.

وصرّح بذلك الأثرم في كتاب "الناسخ والمنسوخ"، واستدلّ بحديث


(١) رواه أبو داود (٣٧٥٨).
(٢) "الأوسط" للطبرانيّ (٥٨٨٩).