للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أفرد قوله: "يَعْجلنّ" نظرًا إلى لفظ "أحد"، وجمع قوله: "فابدءوا" نظرًا إلى لفظ "كُمْ"، قال: والمعنى: إذا وُضع عشاءُ أحدكم، فابدءوا أنتم بالعشاء، ولا يعجلنّ هو حتى يفرغ معكم منه. انتهى (١).

وأجاب البرماويّ بأن النكرة في الشرط تعُمّ، فيَحْتَمِل أن الجمع لأجل عموم "أحد". انتهى.

وقال القاري: الظاهر أن الخطاب بالجمع لإفادة عموم الحكم، وأنه غير مختصّ بأحد دون أحد، أو المراد به الموافقة معه، ثم أداء الصلاة جماعةً؛ لينال الفضيلة، والحديث دليلٌ على أن تقريب الطعام، ووضعه بين يدي الآكل من أعذار ترك الجماعة. انتهى (٢).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "حتى يفرغ منه" دليل على أنه يأكل حاجته من الأكل بكماله، وهذا هو الصواب، وأما ما تأوّله بعض أصحابنا على أنه يأكل لُقيمات يَكسِر بها شدّة الجوع، فليس بصحيح، وهذا الحديث صريحٌ في إبطاله. انتهى (٣). وهو بحثٌ نفيسٌ، واللَّه تعالى أعلم.

[تنبيه]: زاد في رواية البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ما نصّه: "وكان ابن عمر يوضع له الطعام، وتقام الصلاة، فلا يأتيها حتى يفرغ، وإنه ليسمع قراءة الإمام". انتهى.

قال في "الفتح": قوله: "وكان ابن عمر" هو موصول عطفًا على المرفوع، وقد رواه السَّرّاج من طريق يحيى بن سعيد، عن عبيد اللَّه، عن نافع، فذكر المرفوع، ثم قال: قال نافع: وكان ابن عمر إذا حضر عشاؤه، وسمع الإقامة، وقراءةَ الإمام لم يَقُم حتى يَفرُغ، ورواه ابن حبان من طريق ابن جريج، عن نافع، أن ابن عمر كان يصلِّي المغرب إذا غابت الشمس، وكان أحيانًا يَلْقاه وهو صائم، فَيُقَدَّم له عَشاؤه، وقد نودي للصلاة، ثم تقام، وهو يسمع، فلا يترك عَشاءه، ولا يَعْجَل حتى يَقضِيَ عشاءه، ثم يخرج فيصلِّي.


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٤/ ١١٢٩.
(٢) "المرعاة" ٣/ ٤٩١.
(٣) "شرح النوويّ" ٥/ ٤٦.