فيه بالعلم، والخصومة، وغير ذلك، مما يَحْتاج إليه الناس؛ لأنه مَجمَعُهم، ولا بُدّ لهم منه.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا القول هو الحقّ؛ لأنه المتعارف في زمن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقد أخرج الشيخان عن سهل بن سعد -رضي اللَّه عنهما- أن رجلًا قال: يا رسول اللَّه، أرأيت رجلًا وَجَدَ مع امرأته رجلًا، أيقتله؟ فتلاعنا في المسجد، وأنا شاهد.
وأخرج البخاريّ عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: بينما نحن جلوس مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في المسجد، دخل رجل على جمل، فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟، والنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: يا ابن عبد المطلب، فقال له النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد أجبتك"، فقال الرجل للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد عليّ في نفسك، فقال:"سل عما بدا لك. . ." الحديث في قصّة ضمام بن ثعلبة -رضي اللَّه عنه- الطويلة، فقد وقع هذا كلّه في المسجد برفع الصوت.
وأخرج أيضًا عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رجلًا قام في المسجد، فقال: يا رسول اللَّه، من أين تأمرنا أن نُهِلّ؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُهِلّ أهل المدينة من ذي الحليفة. . . " الحديث، وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي جاء فيها التصريح أن الصحابة كانوا يرفعون أصواتهم بالعلم في المسجد، فلم ينه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أحدًا منهم عن ذلك، فتبصّر، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
٣ - (ومنها): ما قاله القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه دليلٌ على منع عمل الصانع في المسجد، كالخياطة، وشبهها، قال: وقد مَنَعَ بعض العلماء من تعليم الصبيان في المسجد، قال: قال بعض شيوخنا: إنما يُمنَع في المسجد من عمل الصنائع التي يَختصّ بنفعها آحاد الناس، ويكتسب به، فلا يَتَّخِذ المسجد مَتْجَرًا، فأما الصنائع التي يَشْمَل نفعها المسلمين في دينهم، كالمثاقفة، وإصلاح آلات الجهاد، مما لا امتهان للمسجد في عمله، فلا بأس به (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: يؤيِّد هذا ما أخرجه المصنّف عن عائشة -رضي اللَّه عنهما-