وأقوى المذاهب هنا مذهب مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ-، ثم مذهب الشافعيّ، وللشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- قول كمذهب مالك: يفعل بالتخيير، وعلى القول بمذهب مالك: لو اجتمع في صلاة سهوان: سهوٌ بزيادة، وسهوٌ بنقص، سجد قبل السلام، قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ- وجماعة من أصحابنا: ولا خلاف بين هؤلاء المختلفين وغيرهم من العلماء أنه لو سجد قبل السلام، أو بعده للزيادة أو النقص أنه يجزئه، ولا تفسد صلاته، وإنما اختلافهم في الأفضل، واللَّه أعلم.
قال الجمهور: لو سها سهوين فأكثر كفاه سجدتان للجميع، وبهذا قال الشافعيّ ومالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم اللَّه تعالى، وجمهور التابعين، وعن ابن أبي ليلى: لكل سهو سجدتان، وفيه حديث ضعيف. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
وقال في "الفتح" ما حاصله: ذهب مالك، والمزنيّ، وأبو ثور من الشافعية إلى التفرقة بين ما إذا كان السهو بالنقصان أو الزيادة، ففي الأول يسجد قبل السلام، وفي الثاني يسجد بعده، قال: وزعم ابن عبد البرّ أنه أولى من غيره؛ للجمع بين الخبرين، قال: وهو موافق للنظر؛ لأنه في النقص جَبْرٌ، فينبغي أن يكون من أصل الصلاة، وفي الزيادة ترغيم للشيطان، فيكون خارجها.
وقال ابن دقيق العيد: لا شك أن الجمع أولى من الترجيح، وادّعاءِ النسخ، ويترجح الجمع المذكور بالمناسبة المذكورة، وإذا كانت المناسبة ظاهرةً، وكان الحكم على وفقها كانت علّةً، فيعمّ الحكم جميع محالّها، فلا تخصص إلا بنصّ.
وتُعُقِّب بأن كون السجود في الزيادة ترغيمًا للشيطان فقط ممنوعٌ، بل هو جبرٌ أيضًا لما وقع من الخلل، فإنه وإن كان زيادةً فهو نقص في المعنى، وإنما سَمَّى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سجود السهو ترغيمًا للشيطان في حالة الشك، كما في حديث أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- عند مسلم.
وقال الخطابيّ: لم يَرْجِع مَن فَرَّق بين الزيادة والنقصان إلى فرق صحيح،