للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٢ - (ومنها): أن قوله: "كان على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" أن مثل هذا عند الشيخين له حكم الرفع، خلافًا لمن شذّ، ومنع ذلك، ومذهب الجمهور على ذلك، كما قاله في "الفتح" (١).

٣ - (ومنها): ما قاله ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يُؤخذ منه أنه لم يكن هناك مُبَلّغ جهير الصوت، يُسمِع مَن بَعُدَ. انتهى.

٤ - (ومنها): أن في قول عمرو بن دينار -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "فذكرت ذلك لأبي معبد، فأنكره. . . إلخ" دليلًا على أن البخاريّ ومسلمًا يذهبان إلى صحة الحديث الذي يُروَى على هذا الوجه مع إنكار المحدّث له، إذا حدّث به عنه ثقة.

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا مذهب جمهور العلماء من المحدثين، والفقهاء، والأصوليين، قالوا: يُحتجّ به إذا كان إنكار الشيخ له لتشكُّكه فيه، أو لنسيانه، أو قال: لا أحفظه، أو لا أذكر أني حدّثتك به، ونحو ذلك، وخالفهم الكرخيّ من أصحاب أبي حنيفة -رَحِمَهُ اللَّهُ-، فقال: لا يُحتجّ به.

فأما إذا أنكره إنكارًا جازمًا قاطعًا بتكذيب الراوي عنه، وأنه لم يحدِّثه به قط، فلا يجوز الاحتجاج به عند جميعهم؛ لأن جزم كلّ واحد يعارض جزم الآخر، والشيخ هو الأصل، فوجب إسقاط هذا الحديث، ولا يَقْدَحُ ذلك في باقي أحاديث الراوي؛ لأنا لم نتحقق كذبه. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

وقال في "الفتح": "قال الشافعيّ بعد أن رواه عن سفيان: كأنه نسيه بعد أن حدّثه به". انتهى.

وهذا يدلّ على أن مسلمًا كان يرى صحة الحديث، ولو أنكره راويه، إذا كان الناقل عنه عدلًا.

ولأهل الحديث فيه تفصيل: قالوا: إما أن يَجْزِم، أو لَا، وإذا جزم، فإما أن يصرّح بتكذيب الراوي عنه، أو لا، فإن لم يجزم بالرّدّ، كأن قال: لا أذكره، فهو مُتَّفق على قبوله؛ لأن الفرع ثقة، والأصل لم يَطعَن فيه، وإن جزم، وصرّح بالتكذيب، فهو متَّفق عندهم على ردّه؛ لأن جزم الفرع بكون الأصل


(١) "الفتح" ٢/ ٣٧٩ - ٣٨٠.