للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حدّثه يستلزم تكذيب الأصل في دعواه أنه كَذَب عليه، وليس قبول قول أحدهما بأولى من الآخر، وإن جزم بالردّ، ولم يصرّح بالتكذيب، فالراجح عندهم قبوله.

وأما الفقهاء فاختلفوا، فذهب الجمهور في هذه الصورة إلى القبول، وعن بعض الحنفيّة، ورواية عن أحمد لا يُقبل، قياسًا على الشاهد.

وللإمام فخر الدين في هذه المسألة تفصيل نحو ما تقدّم، وزاد: فإن كان الفرع متردّدًا في سماعه، والأصل جازمًا بعدمه سقط؛ لوجود التعارض.

ومحصّل كلامه آنفًا أنهما إن تساويا فالرّدّ، وإن رُجِّح أحدُهما عُمل به.

وهذا الحديث من أمثلته.

وأبعَدَ مَن قال: إنما نَفَى أبو معبد التحديث، ولا يلزم منه نفي الإخبار، وهو الذي وقع من عمرو، ولا مخالفة، وتردّه الرواية التي فيها: "فأنكره"، ولو كان كما زعم لم يكن هناك إنكار، ولأن التفرقة بين التحديث والإخبار إنما حدث بعد ذلك، وفي كتب الأصول حكاية الخلاف في هذه المسألة عن الحنفية. انتهى (١).

وإلى هذه القاعدة أشار الحافظ السيوطيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "ألفية الحديث" حيث قال:

وَمَنْ نَفَى مَا عَنْهُ يُرْوَى فَالأَصَحْ … إِسْقَاطُهُ لَكِنْ بِفَرْعٍ مَا قَدَحْ

أَوْ قَالَ لَا أَذْكُرُهُ أَوْ نَحْوَ ذَا … كَأَنْ نَسِي فَصَحَّحُوا أَنْ يُؤْخَذَا

واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في مشروعية الجهر بالذكر:

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا الحديث دليل لما قاله بعض السلف: إنه يستحبّ رفع الصوت بالتكبير والذكر عقب المكتوبة، وممن استحبّه من المتأخرين ابن حزم الظاهريّ، ونقل ابن بطال، وآخرون أن أصحاب المذاهب المتبوعة وغيرهم متفقون على عدم استحباب رفع الصوت بالذكر والتكبير.

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: دعوى الاتّفاق المذكور غير صحيحة،


(١) "الفتح" ٢/ ٣٨٠.