للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وسيتبيّن لك بطلانها في كلام الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-، حيث ينقل عن الإمام أحمد وغيره مشروعيةَ الجهر، فتبصر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، وباللَّه تعالى التوفيق.

قال: وحَمَل الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- هذا الحديث على أنه جَهَر وقتًا يسيرًا حتى يُعلّمهم صفة الذكر، لا أنهم جهروا به دائمًا، فاختار للإمام والمأموم أن يذكرا اللَّه تعالى بعد الفراغ من الصلاة، ويُخْفيان ذلك، إلا أن يكون إمامًا يريد أن يُتَعلّم منه، فيجهر حتى يَعلَم أنه قد تُعُلِّم منه، ثمّ يُسرّ، وحَمَلَ الحديث على هذا. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الذي نُقل عن الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- من حمله هذا الحديث على وقت يسير، فيه نظرٌ لا يخفى، فإن من تأمّل قول ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما-: "إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-"، يظهر ضعف هذا التأويل، فإن ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما- من أهل اللغة، فتعبيره بهذا الأسلوب ظاهر في الاستمرار، لا أنه حصل وقتًا يسيرًا، ثم انقطع، فتأمله بالإنصاف.

وقال الإمام أبو محمد بن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ-: [مسألة]: ورفعُ الصوت بالتكبير إثر كلّ صلاة حسن.

ثم استَدَلّ بحديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- المذكور، ثم قال: فإن قيل: قد نَسِي أبو معبد هذا الحديث، وأنكره.

قلنا: فكان ماذا؟، عمرو أوثق الثقات، والنسيان لا يَعرَى منه آدميّ، والحجّة قد قامت برواية الثقة. انتهى (١).

وقال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد دلّ حديث ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما- على رفع الصوت بالتكبير عقب الصلاة المفروضة.

وقد ذهب إلى ظاهره بعض أهل الظاهر، وحُكي عن أكثر العلماء خلافُ ذلك، وأن الأفضل الإسرار بالذكر؛ لعموم قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} الآية [الأعراف: ٢٠٥]، وقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا


(١) "المحلَّى" ٤/ ٢٦٠.