للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَخُفْيَةً} الآية [الأعراف: ٥٥]، ولقول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لمن جهر بالذكر من أصحابه: "إنكم لا تَدْعُون أصمّ، ولا غائبًا. . . " الحديث. متفق عليه.

ثم ذكر كلام الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- المتقدّم، ثم قال: وكذلك ذكر أصحابه، وذكر بعض أصحابنا -يعني الحنابلة- مثل ذلك أيضًا، ولهم وجه آخر أنه يكره الجهر به مطلقًا.

وقال القاضي أبو يعلى في "الجامع الكبير": ظاهر كلام أحمد أنه يُسنّ للإمام الجهر بالذكر والدعاء عقب الصلوات، بحيث يُسمِع المأمومَ، ولا يزيد على ذلك، وذَكَرَ عن أحمد نصوصًا تدلّ على أنه كان يجهر ببعض الذكر، ويُسرّ بالدعاء.

وهذا هو الأظهر، وأنه لا يختص ذلك بالإمام، فإن حديث ابن عبّاس هذا ظاهره يدلّ على جهر المأمومين أيضًا.

ويدلّ عليه أيضًا ما أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث ابن الزبير -رضي اللَّه عنهما- أنه كان يقول في دبر كلّ صلاة حين يُسلّم: "لا إله إلا اللَّه، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، لا حول ولا قوّة إلا باللَّه، لا إله إلا اللَّه، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة والفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا اللَّه مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون"، وقال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُهلّ بهنّ في دبر كلّ صلاة.

ومعنى يُهلّ: يرفع صوته، ومنه الإهلال في الحجّ، وهو رفع الصوت بالتلبية، واستهلال الصبي إذا وُلد.

وقد كان أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يجهرون بالذكر عقب الصلوات، حتى يسمع من يليه.

فأخرج النسائيّ في "عمل اليوم والليلة" من رواية عون بن عبد اللَّه بن عُتبة، قال: صلّى رجل إلى جنب عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، فسمعه حين سلّم يقول: "أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام"، ثم صلّى إلى جنب عبد اللَّه بن عُمر، فسمعه حين سلّم يقول مثل ذلك، فضحك الرجل، فقال له ابن عمر: ما أضحكك؟ قال: إني صلّيت إلى جنب عبد اللَّه بن عمرو، فسمعته يقول مثل ما قلت، قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول ذلك.