للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما النهي عن رفع الصوت بالذكر، فإنما المراد به المبالغة في رفع الصوت، فإن أحدهم كان ينادي بأعلى صوته "لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر"، فقال لهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تنادون أصمّ، ولا غائبًا"، وأشار إليهم بيده يُسكّتهم، ويخفّضهم، وقد أخرجه الإمام أحمد بنحو من هذه الألفاظ.

وقال عطية بن قيس: كان الناس يذكرون اللَّه عند غروب الشمس يرفعون أصواتهم بالذكر، فإذا خفضت أصواتهم أرسل إليهم عمر بن الخطاب أن كرروا الذكر، أخرجه جعفر الفريابي في "كتاب الذكر"، وأخرج أيضًا من رواية ابن لهيعة، عن زُهْرَة بن معبد، قال: رأيت ابن عمر إذا انقلب من العشاءين كبّر حتى يبلغ منزله، ويرفع صوته.

وروى محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن جابر -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا كان يرفع صوته بالذكر، فقال رجل: لو أن هذا خفض من صوته، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دعه، فإنه أوّاه".

وهذا يدلّ على أنه يُحتَمَلُ ذلك ممن عُرف صدقه وإخلاصه دون غيره.

وأخرج الإمام أحمد من رواية عقبة بن عامر -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لرجل يقال له ذو البجادين: "إنه أوّاه"، وذلك أنه رجل كان كثير الذكر للَّه في القرآن، ويرفع صوته في الدعاء، وفي إسناده ابن لهيعة.

وقال الأوزاعيّ في التكبير في الْحَرس في سبيل اللَّه: أحبّ إليّ أن يذكر اللَّه في نفسه، وإن رفع صوته فلا بأس.

فأما قول ابن سيرين: يكره رفع الصوت إلا في موضعين: الأذان، والتلبية، فالمراد به -واللَّه أعلم- المبالغة في الرفع كرفع المؤذن والملبّي.

وقد رُوي رفع الصوت بالذكر في مواضع، كالخروج إلى العيدين، وأيام العشر، وأيام التشريق بمنى.

وأما الدعاء فالسنة إخفاؤه.

ففي "الصحيحين" عن عائشة -رضي اللَّه عنها- في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} الآية [الإسراء: ١١٠] أنها نزلت في الدعاء.

وكذا روي عن ابن عباس، وأبي هريرة -رضي اللَّه عنهم-، وعن سعيد بنْ جُبير، وعطاء، وعكرمة، وعروة، ومجاهد، وإبراهيم، وغيرهم.