قاله السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح النسائيّ"(١).
وفي هذه الرواية أنكر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على اليهودية، وفي رواية مسروق عن عائشة الآتية:"فقال: صدقتا. . . "، وفي رواية للنسائيّ:"نعم عذاب القبر حقّ"، أقرّها على ما قالت، وبين الروايتين اختلاف.
وأجاب النوويّ تبعًا للطحاويّ وغيره، بأنهما قصتان، فأنكر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قول اليهودية في الأولى، ثم أُعلِمَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك، ولم يُعلِم عائشةَ، فجاءت اليهودية مرّة أخرى، فذكرت لها ذلك، فأنكرت عليها مستندة إلى الإنكار الأول، فأعلمها النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن الوحي نزل بإثباته، انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: وبهذا يجاب أيضًا ما سيأتي في قصة العجوزين أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"صدقتا. . . إلخ".
وأصرح من رواية الباب في إنكار النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على اليهودية عذاب القبر، ما أخرجه الإمام أحمد بإسناد على شرط البخاريّ، عن سعيد بن عمرو بن سعيد الأمويّ، عن عائشة، أن يهودية كانت تخدُمها، فلا تصنع عائشة إليها شيئًا، من المعروف إلا قالت لها اليهودية: وقاك اللَّه عذاب القبر، قالت: فدخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عليّ، فقلت: يا رسول اللَّه، هل للقبر عذاب، قبل يوم القيامة؟، قال:"لا، وعَمَّ ذاك؟ "، قالت: هذه اليهودية، لا نصنع إليها من المعروف شيئًا، إلا قالت: وقاك اللَّه عذاب القبر، قال:"كذبت يهود، وهم على اللَّه عزَّ وجلَّ كذُبٌ، لا عذاب دون يوم القيامة"، قالت: ثم مكث بعد ذاك، ما شاء اللَّه أن يمكث، فخرج ذات يوم نصف النهار، مشتملًا بثوبه، مُحْمَرّةً عيناه، وهو ينادي بأعلى صوته:"أيها الناس أظلتكم الفتن، كقطع الليل المظلم، أيها الناس لو تعلمون ما أعلم، لبكيتم كثيرًا، وضحكتم قليلًا، أيها الناس، استعيذوا باللَّه، من عذاب القبر، فإن عذاب القبر حق".
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وفي هذا كله أنه -صلى اللَّه عليه وسلم -إنما عَلِم بحكم عذاب القبر، إذ هو بالمدينة في آخر الأمر، كما سيأتي تاريخ صلاة الكسوف في موضعه.
وقد استُشكل ذلك بأن الآية المتقدّمة مكيّة، وهي قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ