للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الَّذِينَ آمَنُوا} الآية [إبراهيم: ٢٧]، وكذلك الآية الأخرى المتقدمة، وهي قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} الآية [غافر: ٤٦].

والجواب أن عذاب القبر إنما يؤخذ من الأولى بطريق المفهوم، من حقّ من لم يتّصف بالإيمان، وكذلك بالمنطوق في الأخرى في حقّ آل فرعون، وإن التحق بهم من كان في حكمهم من الكفار، فالذي أنكره النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما هو وقوع عذاب القبر على الموحّدين، ثم عَلِم -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ذلك قد يقع على من يشاء اللَّه منهم، فجزم به، وحذّر منه، وبالغ في الاستعاذة منه، تعليمًا لأمته، وإرشادًا، فانتفى التعارض -بحمد اللَّه تعالى- انتهى (١).

(قَالَتْ عَائِشَةُ) -رضي اللَّه عنها- (فَلَبِثْنَا لَيَالِيَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هَلْ شَعَرْتِ) أيٍ عَلِمتِ، يقال: "شَعَرتُ بالشيء شُعُورًا، من باب قَعَدَ وشِعْرًا، وشِعْرةً بكسرهما: عَلِمْتُ" (٢). (أَنَّهُ) بفتح الهمزة؛ لوقوعها في موقع المصدر؛ لوقوعها مفعولًا به لـ "شعرت"، والهاء ضمير الشأن، وهو ما تفسّره جملة بعده (أُوحِيَ إِلَيَّ) ببناء الفعل للمفعول (أَنَّكُمْ) بفتح الهمزة أيضًا؛ لما ذكرته آنفًا، والخطاب للمسلمين (تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ؟ ") أي كما تُفتَن اليهود في قبورها، قال في "النهاية": يريد بالفتنة مسألة منكر ونكير، وهو من الفتنة، وهي الامتحان والاختبار. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: المراد عذاب القبر، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الآية [البروج: ١٠]، والفتنة تتصرّف على وجوه، وأصلها الاختبار. انتهى (٤).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: الأولى تفسير الفتنة هنا بما يعمّ سؤال الملكين، وعذاب القبر؛ لثبوت ذلك عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

فأما تفسيره بسؤال الملكين، فقد أخرجه الشيخان من حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي اللَّه عنهما-، مرفوعًا: "ولقد أُوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثلَ أو قريب من فتنة الدجال، لا أدري أيَّ ذلك قالت أسماء، يؤتى أحدكم، فيقال له: ما


(١) "الفتح" ٣/ ٦٠٤ - ٦٠٥.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٣١٥.
(٣) "النهاية" ٣/ ٤١٠.
(٤) "المفهم" ٢/ ٢٠٧.