فيهما، كما قال اللَّه تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}[إبراهيم: ٢٧]، واللَّه تعالى أعلم (١).
(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ) أي مما يَأْثَم به الإنسان، أو مما فيه إثم، أو مما يوجب الإثم، أو الإثم نفسه، مصدر وُضع موضع الاسم.
(وَالْمَغْرَمِ) قال ابن الأثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هو مصدر وُضع موضع الاسم، يريد به مغرم الذنوب والمعاصي. وقيل: المغرم كالغُرْم، وهو الدين، ويريد به ما استُدين فيما يكرهه اللَّه، أو فيما يجوز، ثمّ عَجَز عن أدائه، فأما دين احتاج إليه، وهو قادر على أدائه، فلا يُستعاذ منه. انتهى.
وقال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: المغرم الدين، يقال: غَرِم -بكسر الراء- أي ادَّانَ، قيل: المراد به ما يُستدان فيما لا يجوز، أو فيما يجوز، ثم يَعْجِز عن أدائه، ويَحْتَمِل أن يراد به ما هو أعمّ من ذلك، وقد استعاذ -صلى اللَّه عليه وسلم- من غلبة الدين.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: المغرم الغُرْم، وقد نَبّه في الحديث على الضرر اللاحق من المغرم. انتهى.
وقال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد ذكر الأقوال السابقة: قلت: والظاهر أن المراد ما يُفضي إلى المعصية بسببٍ ما. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- هو الصواب؛ ويؤيّده آخر الحديث، حيث بيّن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن المغرم يترتّب عليه الكذب، وخُلْف الوعد، وهاتان من أخلاق المنافقين، وأما ما خلا عن ذلك فليس محلّ الاستعاذة؛ إذ الدين ليس مذمومًا على إطلاقه، فقد أخرج البخاريّ في "صحيحه" عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدَّى اللَّهُ عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه اللَّه".
وقد أخرج الإمام أحمد، والنسائيّ، وابن ماجه، عن أم المؤمنين ميمونة -رضي اللَّه عنها- أنها كانت تَدَّانُ وتُكثر، فقال لها أهلها في ذلك، ولاموها، ووجدوا عليها، فقالت: لا أترك الدين، وقد سمعت خليلي وصفيي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: