قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ويمكن أن يفترق الحال فيه بالنية، فإن نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد، ثم أتى بالزيادة فالأمر كما قال العراقيّ لا محالةَ، وإن زاد بغير نية، بأن يكون الثواب رُتِّب على عشرة مثلًا، فرتّبه هو على مائة، فيتجه القول الماضي.
وقد بالغ القرافيّ في "القواعد"، فقال: من الْبِدَع المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعًا؛ لأن شأن العظماء إذا حَدُّوا شيئًا أن يُوقَفَ عنده، ويُعَدّ الخارج عنه مسيئًا للأدب. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: ما أحسن كلام القرافيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في هذا، فالحقّ أنه لا ينبغي الزيادة على الأعداد والتقديرات الشرعيّة، وإن كانت مندوبات؛ لأن للشارع الحكيم حكمة لا يعلمها غيره، فإذا وجّه إلى شيء من العبادة، أذكارًا، أو غيرها، وعيّن لها عددًا، أو صفة معيّنة، فلا ينبغي العدول عنها إلا بتوقيف منه، فالأذكار التي خلف الصلوات، وغيرها لا ينبغي أن يُتجاوز العدد المأثور فيها، إلا أن يقطعها، ثم يستأنف.
وبالجملة فالذي ينبغي للعاقل أن يقف عند تعليم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- للأذكار، أو غيرها مع تعيينه لها عددًا، أو صفةً، أو وقتًا، أو غير ذلك، ولا يتجاوز ذلك التوجيه؛ لأنه توجيه ربّانيّ يلزم التأدّب معه، فليُتنبّه لمثل هذا، فإن كثيرًا من الناس عنه لغافلون، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
قال: وقد مثّله بعض العلماء بالدواء يكون مثلًا فيه أوقية سُكّر، فلو زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الانتفاع به، فلو اقتصر على الأوقية في الدواء، ثم استَعْمَل من السكّر بعد ذلك ما شاء لم يتخلف الانتفاع.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: ما أجمل هذا التمثيل، وما أحقّه أن يُنظر إليه بعين الاعتبار، والبصيرة النافذة، فإن الأذكار النبويّة أدوية للأمراض الحسيّة والمعنويّة، والقلبيّة والبدنيّة، فكما ينبغي المحافظة على ما يصفه الأطبّاء للأدوية البدنيّة، فكذلك ينبغي المحافظة على ما وصفه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- للأدوية الروحيّة، فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- مبلّغ عن ربّه عزَّ وجلَّ، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} [النجم: ٣ - ٤].
قال: ويؤيد ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد مخصوص