مع طلب الإتيان بجميعها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص؛ لما في ذلك من قطع الموالاة؛ لاحتمال أن يكون للموالاة في ذلك حكمةٌ خاصّةٌ تفوت بفواتها. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، كما أسلفته آنفًا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(المسألة السابعة): في اختلاف ألفاظ هذا الحديث:
قال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح البخاريّ": وأما ألفاظ الحديث، فهي مختلفة، ففي رواية عُبيد اللَّه بن عمر التي أخرجها البخاريّ ها هنا:"تسبّحون، وتحمدون، وتكبّرون ثلاثًا وثلاثين"، وفسّره بأنه يقول: سبحان اللَّه، والحمد للَّه، واللَّه أكبر، حتى يكون منهنّ كلِّهنّ ثلاثًا وثلاثين، وقد تبيّن أن المفسِّر لذلك هو أبو صالح، وهذا يَحْتَمل أمرين:
أحدهما: أنه يَجمع بين هذه الكلمات الثلاث، فيقولها ثلاثًا وثلاثين مرّةً، فيكون مجموع ذلك تسعًا وتسعين.
والثاني: أنه يقولها إحدى عشرة مرّةً، فيكون مجموع ذلك ثلاثًا وثلاثين، وهذا هو الذي فهمه سُهيل، وفسَّر الحديث به، وهو ظاهر رواية سُميّ، عن أبي صالح أيضًا، ولكن قد رُوي حديث أبي هريرة من غير هذا الوجه صريحًا بالمعنى الأول، فخرّجه مسلم من حديث سُهيل، عن أبي عُبيد الْمَذْحِجيّ، وهو مولى سليمان بن عبد الملك وحاجبه، عن عطاء بن يزيد، عن أبي هريرة، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"من سبّح اللَّه في دبر كلّ صلاة. . . " الحديث سيأتي في هذا الباب.
قال: وقد روي عن سُهيل بهذا الإسناد موقوفًا على أبي هريرة، وكذا رواه مالك في "الموطّأ"، عن أبي عُبيد موقوفًا، وخرّجه ابن حبّان في "صحيحه" من طريق مالك مرفوعًا، والموقوف عن مالك أصحّ.
وخرّجه النسائيّ في "اليوم والليلة" بنحو هذا اللفظ من رواية ابن عَجلان، عن سُهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا.
وخرّج الإمام أحمد، وأبو داود، وابن حبّان في "صحيحه" عن الأوزاعيّ، حدّثني حسان بن عطيّة، قال: حدّثني محمد بن أبي عائشة، قال: