للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تسأله؛ لأني كنت أبسط لسانًا منه، وفي رواية: "فقدّمني حميد للمنطق، وكنت أجرأ على المنطق منه".

قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وإنما قال هذا منه اعتذارًا عن توهَّم اعتراض يُنسب إليه فيه قلَّة المبالاة بصاحبه، واستئثاره عليه بالمسابقة إلى الكلام، فبيّن وجه اعتذاره عن ذلك، وذلك أنه عَلِم من صاحبه أنه يَكِلُ الكلام إليه، فإما لكونه أحسن منه سؤالًا، وأبلغ بيانًا، وإما لحياء يَلحَق صاحبه يمنعه من السؤال، وإما إيثارًا له (١).

قال الجامع عفا الله عنه: الاحتمال الأول هو الصواب؛ لكونه صرّح به في كلامه السابق عند ابن منده، والله تعالى أعلم.

(فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كنية عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - (إِنَّهُ) الضمير للشأن، أي إن الأمر والشأن (قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ) أَي فشا مذهبهم وانتشر، وهو من الظهور الذي يضادّ الخفاء (يَقْرَأونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ) هو بتقديم القاف على الفاء، ومعناه: يطلبونه، ويتتبعونه، هذا هو المشهور، وقيل: معناه يجمعونه، ورواه بعض شيوخ المغارية من طريق ابن ماهان: "يتَفَقَّرُونَ"، بتقديم الفاء، وهو صحيح أيضًا، ومعناه يبحثون عن غامضه، ويستخرجون خَفِيَّه، ورُويَ في غير مسلم: "يَتَقَفَّوْن" بتقديم القاف، وحذف الراء، وهو صحيح أيضًا، ومعناه أيضًا: يتتبعون، قال القاضي عياض: ورأيت بعضهم قال فيه: "يَتَقَعَّرُون" بالعين، وفَسَّره بأنهم يطلبون قعره، أي غامضه، وخَفِيَّه، ومنه تَقَعَّرَ في كلامه: إذا جاء بالغريب مثه، وفي رواية أبي يعلى الموصليّ: "يَتَفَقَّهُون" بالهاء بدل الراء، وهو ظاهرٌ. قاله النوويّ رحمه الله تعالى (٢).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهذه اللفظة - يعني "يَتَقَفَّرُونَ" - بتقديم القاف، وتأخير الفاء، أي يتَّبعون، ويجمعون، يقال: اقتفر أثَرَهُ: أي تتبّعه، ورواها أبو العلاء بن ماهان بتقديم الفاء، وتأخيرِ القاف (٣)، أي إنهم يُخرجون غامضه،


(١) "المفهم" ١/ ١٣٤.
(٢) "شرح المسلم" ١/ ١٥٥ - ١٥٦.
(٣) قيل: رواية ابن ماهان أشبه بسياق الحديث؛ لأن تفقَّر بتقديم الفاء بمعنى بحث، وبحث أخصّ من طلب، وهذه الطائفة كانت من الذكاء، وصحَّة القريحة بمنزلةٍ؛ =