[فإن قيل]: فقد أخرج مسلم من حديث جابر بن سَمُرة -رضي اللَّه عنه- قال:"كان بلالٌ يؤذّن إذا دحضت، فلا يُقيم حتى يخرج النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه"، فلو اكتُفي برؤية واحد للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لاكتُفي برؤية بلال له، واكتُفي بإقامة بلال في قيام الناس، فإنه كان لا يُقيم حتى يرى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قد خَرَجَ.
[أجيب]: بأن هذا إنما ورد في صلاة الظهر بالمدينة خاصّةً، وأما في غيرها من الصلوات، فقد كان بلالٌ يجيء إلى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في بيته، فيُؤْذِنه بالصلاة، فكان يفعل في صلاة الفجر، كما في حديث عائشة وابن عبّاس -رضي اللَّه عنهم-، وكان أحيانًا يفعله في السفر في غير الفجر، كما رَوَي أبو جُحيفة أنه رأى بلالًا آذن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بصلاة الظهر.
فالظاهر أن بلالًا كان إذا آذن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالصلاة، رجع فأقام قبل خروج النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من بيته، واكتَفَى بتأهّبه للخروج بإيذانه له، فوقع النهي عن قيام الناس إلى الصلاة قبل خروجه في مثل هذه الحالة. انتهى كلام ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١) ببعض تصرّف، وهو بحث مفيدٌ، واللَّه تعالى أعلم.
ثم ذكر المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- الاختلاف بين شيخيه: محمد بن حاتم، وعبيد اللَّه بن أبي سعيد، فأشار بأن اللفظ المذكور لعبيد اللَّه، وأما محمد بن حاتم، فذكر لفظه بقوله:(وَقَالَ) وفي نسخة: "قال" بحذف الواو (ابْنُ حَاتِمٍ) هو: محمد شيخه الأول ("إِذَا أُقِيمَتْ، أَوْ نُودِيَ") "أو" للشكّ من الراوي، يعني أن محمد بن حاتم ذكره بالشكّ.
قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" ظاهره: أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من بيته، وهو معارض لحديث جابر بن سمرة -رضي اللَّه عنهما- الآتي:"أن بلالًا كان لا يقيم حتى يخرج النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-".
ويُجْمَع بينهما بأن بلالًا -رضي اللَّه عنه- كان يراقب خروج النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأول ما يراه يَشْرَع في الإقامة، قبل أن يراه غالب الناس، ثم إذا رأوه قاموا، فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم.