وأخرج أيضًا عن الحارث الأعور، عن عليّ -رضي اللَّه عنه-، قال: إذا صلّى الجنب بالقوم، فأتمّ بهم الصلاة آمره أن يغتسل، ويعيد، ولا آمرهم أن يعيدوا.
وأخرج أيضًا عن سالم بن عبد اللَّه: أن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- صلّى بأصحابه صلاة العصر، وهو على غير وضوء، فأعاد، ولم يعد أصحابه.
وهو قول النخعيّ، والحسن البصريّ، وسعيد بن جبير، وبه قال مالك بن أنس، والشافعيّ، وأحمد، وسليمان بن حرب، وأبو ثور، والمزنيّ، وحُكي ذلك عن عبيد اللَّه بن الحسن.
وقالت طائفة: يعيد ويعيدون، وممن روي عنه هذا القول علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- خلاف الرواية الأولى، وبالروايتين جميعًا مقال (١)، وهو قول ابن سيرين، والشعبيّ، وحماد بن أبي سليمان، وقال الثوريّ: أحب إلينا أن يعيد، ويعيدون، وقال النعمان، وأصحابه: يعيد ويعيدون.
وفيه قول ثالث، قاله عطاء: إن صلّى إمام قوم غير متوضئ، فذكر حين فرغ، قال: يعيد ويعيدون، فإن لم يذكر حتى فاتت الصلاة فإنه يعيد هو، ولا يعيدون، قيل له: فصلّى بهم جنبًا، فلم يعلموا، ولم يعلم حتى فاتت تلك الصلاة، قال: فليعيدوا، فليست الجنابة كالوضوء.
واختُلِف على مالك، والشافعيّ في الإمام تعمد أن يصلي بهم، وهو جنب، فكان مالك يقول: صلاة القوم فاسدة، وكان الشافعيّ يقول: عَمْدُ الإمام ونسيانه سواء، ولا إعادة على القوم، إلا أن الإمام يأثم بالعمد، ولا يأثم بالنسيان.
قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ومن حجة بعض من رأى أن لا إعادة على من صلّى خلف جنب خبر أبي هريرة، وخبر أبي بكرة -رضي اللَّه عنهما-، قال: وفي خبر أبي بكرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل في صلاة الفجر، وفي ذلك دليلٌ على أن لا إعادة على المأموم؛ لأن حكم القليل من الصلاة كحكم الكثير فيمن صلّى خلف
(١) أما الرواية الأولى ففي سندها الحارث الأعور، متكلَّم فيه، وفي الثانية عمرو بن خالد الواسطيّ، وهو متروك، رماه الحفّاظ بالكذب، كما قاله البيهقيّ في "السنن الكبرى" ٢/ ٤٠١.