للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالهوي، ومن الثاني: قوله تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: ٥٩]، وتسمى هذه باء المجاوزة.

[ثانيها]: أن تكون زائدة، أىِ أبردوا الصلاة، يقال: أبرد الرجل كذا: إذا فعله في برد النهار، ذكره القاضي عياض، وغيره، وفيه نظر؛ لأن من جعل "عن" زائدة قيَّد ذلك بأن تزاد للتعويض من أخرى محذوفة، ومثّلوه بقول الشاعر [من الطويل]:

أَتَجْزَعُ إِنْ نَفْسىٌ أَتَاهَا حِمَامُهَا … فَهَلَّا الَّتِي عَنْ بَيْنِ جَنْبَيْكَ تَدْفَعُ

قال أبو الفتح: أراد تدفع عن التي بين جنبيك، فحذفت "عن" من أول الموصول، وزيدت بعده.

[ثالثها]: تضمين "أبردوا" معنى أَخِّروا، وحذف مفعوله، تقديره: أَخِّروا أنفسكم عن الصلاة.

قال القاضي أبو بكر ابن العربيّ: معنى قوله "أبردوا" أخروا إلى زمان البرد، ولا ينتظم ذلك مع قوله: "عن"؛ فإن صورته أخِّروا عن الصلاة إلَّا بإضمار، وتقديره: أخروا أنفسكم عن الصلاة، وهو قريب من قول الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معنى قوله: "أبردوا عن الصلاة": تأخروا عنها مبردين، أي داخلين في وقت البرد. انتهى. وهو مثل كلام ابن العربي إلَّا أنه ضمّن "أبردوا" معنى فعل قاصر، لا يحتاج إلى تقدير مفعول، وهو "تأخروا". انتهى كلام وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

ثم إن المراد بـ "الصلاة" هنا: الظهر؛ لأنها الصلاة التي يشتدّ الحر غالبًا في أول وقتها، وقد جاء صريحًا في حديث أبي سعيد الخدريّ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبردوا بالظهر، فإن شدّة الحرّ من فيح جهنم"، رواه البخاري.

وقد حَمَلَ بعضهم الصلاة على عمومها بناءً على أن المفرد المعرف يعمّ، فقال به أشهب في العصر، وقال به أحمد في رواية عنه في العشاء؛ حيث قال: تُؤخر في الصيف دون الشتاء، ولم يقل أحد به في المغرب، ولا في الصبح؛ لضيق وقتهما، أفاده في "الفتح" (٢).


(١) "طرح التثريب" ٢/ ١٥٦ - ١٥٧.
(٢) راجع: "الفتح" ٢/ ٢٢.