للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وسيأتي مزيد بسط للبحث في المسألة السادسة -إن شاء اللَّه تعالى-.

(فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ) الفاء فيه للتعليل، أراد به أن علة الأمر بالإبراد هي شدة الحر.

واختُلِف في حكمة هذا التأخير؛ فقيل: دفع المشقّة؛ لكون شدة الحر مما يذهب الخشوع. قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا أظهر، وقيل: لأنه وقت تُسْجَر فيه جهنم، ويؤيِّده حديث عمرو بن عبسة -رضي اللَّه عنه- عند مسلم، حيث قال -صلى اللَّه عليه وسلم- له: "أَقْصِرْ عن الصلاة عند استواء الشمس، فإنها ساعة تسجر فيها جهنم" (١).

وقد استُشْكِل هذا بأن الصلاة سبب الرحمة، ففعلها مظنة لطرد العذاب، فكيف أمر بتركها؟.

وأجاب أبو الفتح اليعمري بأن التعليل إذا جاء من جهة الشارع وجب قبوله، وإن لَمْ يُفْهَم معناه.

واستَنْبَط له الزين ابن الْمُنَيِّر معنى يناسبه، فقال: وقت ظهور أثر الغضب، لا يَنْجَع فيه الطلب، إلَّا ممن أذن له فيه، والصلاة لا تنفك عن كونها طلبًا، ودعاءً، فناسب الاقتصار عنها حينئذ، واستَدَلَّ بحديث الشفاعة حيث اعتذر الأنبياء كلهم للأمم بأن اللَّه غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، سوى نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يَعْتَذِر، بل طلب؛ لكونه أُذِن له في ذلك.

ويمكن أن يقال: سَجْرُ جهنم سبب فَيْحِها، وفَيْحُها سبب وجود الحرّ، وهو مظنة المشقة التي هي مظنة سلب الخشوع، فناسب أن لا يصَلَّى فيها، لكن يرد عليه أن سجرها مستمرّ في جميع السنة، والإبراد مختص بشدة الحرّ، فهما متغايران، فحكمة الإبراد المشقة، وحكمة الترك وقت سجرها؛ لكونه وقت ظهور أثر الغضب، واللَّه أعلم. قاله في "الفتح" (٢).

(مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ") أي من سعة انتشارها، وتنفسها، ومنه: مكان أفيح: أي متسع، قاله في "الفتح".


(١) راجع الحديث الطويل الآتي للمصنّف في "كتاب صلاة المسافرين وقصرها" برقم (٨٣٢).
(٢) راجع: "الفتح" ٢/ ٣٢.