(وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ) أي عظّم أمرهم في الذكاء، والجدّ في طلب العلم، وإنما ذكر له ذلك من أوصافهم تنبيهًا له على الاعتناء بمقالتهم، والبحث عنها ليوضح أمرها، فإن كلامهم قد وقع من القلوب بالموقع الذي لا يزيله إلَّا إيضاحٌ بالغ، وبرهانٌ واضح، ولَمّا فَهِمَ ابنُ عمر - رضي الله عنهما - ذلك أفتى بإبطال مذهبهم وفساده، وحكم بكفرهم، وتبرّأ منهم، واستدلّ على ذلك بالدليل القاطع عنده. قاله القرطبيّ رحمه الله تعالى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "وحكم بكفرهم"، سيأتي تحقيق القول في كفرهم في المسألة الثامنة - إن شاء الله تعالى -.
وقال النوويّ رحمه الله تعالى: قوله: "وذكر من شأنهم" هذا الكلام من كلام بعض الرواة الذين دون يحيى بن يعمر، والظاهر أنه من ابن بُرَيدة الراوي عن يحيى بن يعمر، يعني وذكرَ ابنُ يعمر من حال هؤلاء، ووصفهم بالفضيلة في العلم، والاجتهاد في تحصيله، والاعتناء به. انتهى.
وقال السنوسيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فيكون من حذف المفعول تعظيمًا له بالإبهام، أي ذكر من شأنهم في البحث عن العلم، واستخراج غوامضه شيئًا عظيمًا، أو بالتعميم؛ لتذهب النفس فيه كلّ مذهب ممكنٍ.
ويحتمل أن يكون الغرض في حذفه ضدّ ما أشير إليه، وذلك صون اللسان عن ذكره، ويكون المعنى: وذكر من شأنهم في نفي القدر والابتداع في العقائد ما يجب صون اللسان عن ذكره، وعلى كلّ ففائدة وصفهم بالاجتهاد في العلم، والتوسّع فيه الموجب لهم القدوة، وتقليد الغير المبالغةُ في استدعاء ابن عمر - رضي الله عنهما - الاستفراغ الوسع في النظر فيما يزعمون؛ لأن أقوال الأغبياء قد يَهْتَبِلُ العلماءُ بشأنها، ويكتفون في ردّها بأدنى نظر، فجواب ابن عمر - رضي الله عنهما - بعد تلك الأوصاف من أثبت شيء، وأحقه. وقد يكون الغرض في ذكر ما وصفهم به من العلم، وكونهم مع ذلك يزعمون ما يزعمون إظهارَ التشكِّي، والتلهّف بما نال المسلمين من مصيبتهم، إلَّا أن هذا إنما يحسُن إذا كان ابن عمر قد أحسّ ببدعتهم، وسوء نظرهم، وإنما سأل ابن عمر - رضي الله عنهما - ليتحقّق العلم من معدنه،