للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويرسخ ما كان في رويّته، وهذا هو الظاهر؛ إذ يبعُد أن يخفى أمر أقوالهم على مثل يحيى بن يعمر، ويدلّ عليه قوله: "ويزعمون" على ما يأتي في معنى الزعم، ومن هنا يصحّ أن يكون الغرض من ذكر أوصافهم مجموعَ الأمرين، والله تعالى أعلم. انتهى كلام السنوسيّ رحمه الله تعالى (١).

(وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ) بضم العين من باب نصر، وفي الزعم ثلاث لغات: فتح الزاي للحجاز، وضمّها لأسد، وكسرها لبعض قيس، ويُطلق بمعنى القول، ومنه زعمت الحنفية كذا، وزعم سيبويه كذا، أي قال، وعليه قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ} [الإسراء: ٩٢] أي كّما أخبرت، ويُطلق على الظنّ، يقال: في زعمي كذا، وأكئر ما يُطلق على الباطل، أو على ما فيه ارتياب، وقال ابن الْقُوطيّة: زعم زعمًا، قال خبرًا لا يُدرى أحقّ هو أو باطلٌ. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: تفسير ابن القُوطية هو المناسب هنا، وقد سبق البحث عن معنى الزعم في شرح المقدمة مستوفًى، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

(أَنْ) مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، أي أنه (لَا قَدَرَ) بفتح


(١) "شرح السنوسيّ" ١/ ٥٤ - ٥٥.
(٢) راجع "المصباح المنير" ٢/ ٢٥٣.
وقال الأبيّ في "شرحه" ١/ ٥٥: الزعم بالضم اسم، ويالفتح مصدر زعم: إذا قال قولًا حقّا، أو كذبًا، أو قولًا غير موثوق به، فمن الأول حديث "زَعَمَ جبريل"، ومن الثاني قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [التغابن: ٧]، ومن الثالث بيت الأعشى:
وَنُبِّئْتُ قَيْسًا وَلَمْ أَبْلُهُ … كَمَا زَعَمُوا خَيْرَ أَهْلِ الْيَمَنْ
فقال الممدوح: وما هو إلَّا الزعم، وَأَبَى أن يُثيبه، والحديث من الثاني، وأما حديث الترمذيّ: "بئس مطيَّة الرجل زعموا"، فجعله ابن عطية من الثاني، واختُلف في قول سيبويه: زعم الخليل، فجعله النووي من الأول وجعله ابن عطيّة من الثالث. انتهى.
قال الجامع: جعل ابن عطية قول سيبويه من الثالث فيه نظر لا يخفي، فالصواب قول النوويّ. والله تعالى أعلم.