للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الدال، وسكونها، كما تقدَّم بيانه (وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ) بضم الهمزة، والنون: أي مستّأنفٌ"، لم يَسبِق به قَدَرٌ، ولا علمٌ من الله تعالى، وإنما يعلمه بعد وقوعه، كما قدَّمنا حكايته عن مذهبهم الباطل، وهذا القولُ قولُ غُلَائِهِمْ، وليس قول جميع القدريّة، وكذّبَ قائله، وضَلَّ، وافترى - عافانا الله، وسائر المسلمين - قاله النووىّ (١).

وقال القرطبيّ: أي مستأنفٌ، ومعناه عندهم أنه لم تسبق به سابقةُ علم الله، ولا مشيئته، وإنما أفعال الإنسان موجودة بعلم الإنسان، واختياره كما تقدَّم من مذهبهم، وأُنُفُ كلّ شيء: أوّله، ومنه أنف الوجه؛ لأنه أوّل الأعضاء في الشخوص، وأنفُ السيل: أوله، كما قال امرؤ القيس:

قَدْ غَدَا يَحْمِلُنِي فِي أَنْفِهِ … لَاحِقُ الأَيْطَلِ مَحْبُوكٌ مُمَرّ

ورَوْضٌ أُنُفٌ: لم يُرْعَ قبلُ، وكذلك كأسٌ أُنُفٌ: لم يُشرَب قبلُ، ومنه قوله تعالى: {مَاذَا قَالَ آنِفًا} [محمد: ١٦]، أي هذه الساعة المستأنفة. انتهى (٢).

(قَالَ) ابن عمر - رضي الله عنهما - (فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ) أي الذين ذكرت أوصافهم (فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ) أي من عقيدتهم الخبيثة، وعند أبي عوانة في "المستخرج": (فقال عبد الله: أبلغوهم أني منهم بريء، وأنهم مني برآء" (وأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي) قاله تبرؤًا من أهل البدع والمعاصي، كما أمر الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - نبيّه - صلى الله عليه وسلم - بذلك، حيث قال: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١)} [يونس: ٤١]، (وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ) كناية عن الحلف باسم الله تعالى، فإنه هو الذي كان يحلف به حيث أمر به في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان حالفًا فليحلف بالله، أو ليصمُت"، متفق عليه، وإنما لم يتلفّظ به إجلالًا لأسماء الله تعالى عن أن تُتَّخَذ عُرْضَةً لكثرة الإيمان بها. والله تعالى أعلم.

(لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ) منصوب على أنه اسم (أنَّ) مؤخَّرًا، والجار والمجرور خيرها (ذَهَبًا) منصوب على التمييز، أي من ذهب، قال نفطويه:


(١) "شرح مسلم" ١/ ١٥٦.
(٢) "المفهم" ١/ ١٣٥ - ١٣٦.