للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سُمّي الذهب ذهبًا؛ لأنه يذهب، ولا يبقى (١) (فَأَنْفَقَهُ) أي في سبيل الله تعالى، أي طاعته، كما جاء في رواية أخرى (مَا) نافية (قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ) قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا صريحٌ في أنه كفّرهم بذلك القول المحكيّ عنهم؛ لأنه حَكَمَ عليهم بما حكم الله به على الكفّار في الآية المتقدّمة، وقد قلنا: إن تكفير هذه الطائفة مقطوعٌ به؛ لأنهم أنكروا معلومًا ضروريًّا من الشرع. انتهى (٢).

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا الذي قاله ابن عمر - رضي الله عنهما - ظاهر في تكفيره القدرية، قال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا في القدرية الأُوَلِ الذين نَفَوا تَقَدُّمَ علمِ الله تعالى بالكائنات، قال: والقائل بهذا كافر بلا خلاف، وهؤلاء الذين يُنكرون القدر هم الفلاسفة في الحقيقة.

وقال غيره: ويجوز أنه لَمْ يُرِد بهذا الكلام التكفير المخرج من الملة، فيكون من قبيل كفران النعم، إلَّا أن قوله: "ما قبل الله منه" ظاهرٌ في التكفير، فإن إحباط الأعمال إنما يكون بالكفر، إلَّا أنه يجوز أن يقال في مسلم: لا يُقْبَل عمله؛ لمعصيته، وإن كان صحيحًا، كما أن الصلاة في الدار المغصوية صحيحة، غير مُحْوِجة إلى القضاء عند جماهير العلماء، بل بإجماع السلف، وهي غير مقبولة، فلا ثواب فيها على المختار عند أصحابنا - انتهى كلام النوويّ (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: دعواه إجماع العلماء في صحة الصلاة في الدار المغصوبة غير صحيحة، فإن الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - يقول بعدم صحَّتها، وهو الصواب، كما حقّقته في نظمي في أصول الفقه، وشرحه، فراجعه تستفد علومًا جمّة، والله تعالى ولي التوفيق.

ثم إن الخلاف في تكفير القدريّة سيأتي تفصيله، وترجيح الراجح منه في المسألة الثامنة - إن شاء الله تعالى -.

(ثُمَّ قَالَ) ابن عمر - رضي الله عنهما - (حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) - رضي الله عنه -، فـ "عمر" بالرفع بدل من "أبي"، وقوله: (قَالَ) تفسير لـ "حدّثني" (بَيْنَمَا) هي "بين" الظرفيّة


(١) "شرح مسلم للنووي" ١/ ١٥٦ - ١٥٧.
(٢) "المفهم" ١/ ١٣٦.
(٣) "شرح مسلم" ١/ ١٥٦.