للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَمَله على ظاهره، وقال: هو لسان مقال مُحقَّق، وشكوى محقّقة، وتنفّس محقّقٌ؛ إذ هو إخبار من الصادق بأمر جائز، فلا يُحتاج إلى تأويله.

وقيل: إن هذا الحديث خرج مخرج التشبيه والتقريب، أي كأنه نار جهنّم في الحرّ، وقد تكون هذه الشكوى، وهذه المقالة لسان حال، كما قال [من الرجز]:

شَكَى إِلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى … صَبْرٌ جَمِيلٌ فَكِلَانَا مُبْتَلَى

والأول أولى؛ لأنه حمل اللفظ على حقيقته، ولا إحالة في شيء من ذلك. انتهى (١).

وقال الزين ابن الْمُنَيِّر: المختار حمله على الحقيقة؛ لصلاحية القدرة لذلك، ولأن استعارة الكلام للحال، وإن عُهِدت وسُمِعت، لكن الشكوى وتفسيرها، والتعليل له، والإذن، والقبول، والتنفس، وقصره على اثنين فقط بعيد من المجاز، خارج عما أُلِف من استعماله. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله ابن الْمُنَيّر: هو التحقيق الحقيق بالقبول.

والحاصل أن حمل الشكوى هنا على حقيقتها هو الصواب؛ إذ لا داعي لدعوى المجاز هنا، فإن المجاز لا يُصار إليه إلا عند تعذّر الحقيقة، أو تعسّرها، فتبصّر، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

وقوله: (فَقَالَتْ) تفسير وتوضيح لمعنى قوله: "اشتكت النار" (يَا رَبِّ) تقدّم أنه يجوز في مثله ستّة أوجه، أشار إلى خمسة منها ابن مالك في "الخلاصة" بقوله:

وَاجْعَلْ مُنَادًى صَحَّ إِنْ يُضَفْ لِيَا … كَعَبْدِ عَبْدِي عَبْدَ عَبْدَا عَبْدِيَا

والسادسة "ياربُّ" بالضم تشبيهًا له بالمنادى المفرد.

(أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ) تثنية "نَفَس" -بفتح الفاء- وهو ما يخرج من الجوف، ويدخل فيه من الهواء (نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ) بجرّ "نَفَسٍ" في الموضعين على البدل، أو البيان، ويجوز فيهما الرفع على أنه


(١) "المفهم" ٢/ ٢٤٤.
(٢) "الفتح" ٢/ ٢٤.