(أحدهما): أن تكون لفظة "ثوبه" دالّة على المتصل به، إما من حيث اللفظ، أو من أمر خارج عنه، ونعني بالخارج قلة الثياب عندهم، ومما يدلّ عليه من جهة اللفظ قوله:"بسط ثوبه، فسجد عليه" يدلّ على أن البسط معَقّب بالسجود عليه، لدلالة الفاء على ذلك ظاهرًا.
(الثاني): أن يدلّ الدليل على تناوله لمحل النزاع؛ إذ من منع السجود على الثوب المتصل به يشترط في المنع أن يكون متحركًا بحركة المصلي، وهذا الأمر الثاني سهل الإثبات؛ لأن طول ثيابهم إلى حيث لا تتحرك بالحركة بعيد. انتهى كلام ابن دقيق -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: يُستفاد من كلام ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ- هذا أن استدلال من استَدَلّ بهذا الحديث على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي الذي يتحرك بحركته ظاهر؛ إذ تعقيبه بالفاء التعقيبية في قوله:"بسط ثوبه، فسجد عليه" كما في رواية مسلم ظاهر في ذلك، ويؤيد ذلك قلة ثيابهم، ويؤيده أيضًا بُعْدُ حمله على غير المتحرك بحركته؛ لأن طول ثيابهم بهذا القدر بعيد كل البعد.
والحاصل أن مذهب الجمهور هو الراجح؛ لظهور دليله، واللَّه تعالى أعلم.
٤ - (ومنها): جواز العمل القليل في الصلاة، ومراعاة الخشوع فيها؛ لأن الظاهر أن صنيعهم هذا لإزالة التشويش العارض من حرارة الأرض.
٥ - (ومنها): تقديم الظهر في أول الوقت، لكن يعارض هذا ما ورد من الأحاديث في الأمر بالإبراد.
قال في "الفتح": فمن قال: الإبراد رخصة، فلا إشكال، ومن قال: سنة، فإما أن يقول: التقديم المذكور رخصة، وإما أن يقول: منسوخ بالأمر بالإبراد.
وأحسن منهما أن يقال: إن شدّة الحرّ قد توجد مع الإبراد، فيحتاج إلى السجود على الثوب، أو إلى تبريد الحصى؛ لأنه قد يستمرّ حره بعد الإبراد، وتكون فائدة الإبراد وجود ظل يُمْشَى فيه إلى المسجد، أو يُصَلَّى فيه في المسجد، أشار إلى هذا الجمع القرطبيّ، ثم ابن دقيق العيد -رحمهما اللَّه تعالى- وهو أولى من دعوى تعارض الحديثين. انتهى.