٦ - (ومنها): أن قول الصحابيّ: "كنا نفعل كذا" من قبيل المرفوع؛ لاتفاق الشيخين على تخريج هذا الحديث في "صحيحيهما"، بل ومعظم المصنفين، لكن قد يقال: إن في هذا زيادة على مجرد الصيغة، لكونه في الصلاة خلف النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد كان يرى فيها مَنْ خلفه كما يرى مَنْ أَمَامه، فيكون تقريره فيه مأخوذًا من هذه الطريق، لا من مجرد صيغة "كنا نفعل"، قاله في "الفتح"، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف العلماء في جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي:
قال الإمام أبو بكر بن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختلفوا في سجود المرء على ثوبه في الحرّ والبرد، فكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رَحِمَهُ اللَّهُ- يقول: إذا اشتدّ الحر، فليسجد على ثوبه، وقال عباس بن سهل: أدركت الناس في زمن عثمان بن عفان -رَحِمَهُ اللَّهُ- يضعون أيديهم على الثياب، يتقون بها حرّ الحصى.
وممن رَخَّص في السجود على الثوب في الحرّ والبرد إبراهيم النخعي، والشعبي، ورَخَّص طاوس، وعطاء في السجود على الثوب في الحرّ، وكان مالك بن أنس، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي لا يرون بأسًا بالسجود على الثوب في الحر والبرد.
وكان الشافعي يقول: ولو سجد على جبهته، ودونها ثوب لم يجزه. إلا أن يكون جريحًا، فيكون ذلك عذرًا، وأحب أن يباشر براحتيه الأرض، فإن سترهما من حرّ، أو برد، فسجد عليهما، فلا إعادة عليه.
قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أقول كما قال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، ومن تبعه من أهل العلم.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الذي رجَّحه الإمام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- من جواز السجود على الثوب المتصل، سواء تحرك بحركة المصلي أم لا، هو الحقّ عندي؛ لوضوح حجّته، وهو ظاهر حديث أنس -رضي اللَّه عنه- المذكور في الباب، كما أسلفنا تحقيقه في المسألة الماضية.
قال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ومن تأول حديث أنس -رضي اللَّه عنه- هذا على أنهم كانوا يسجدون على ثياب منفصلة عنهم، فقد أبعد، ولم يكن أكثر