للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في "الموطأ" باللفظ الذي رواه عنه كافّة أصحابه، فرواية خالد بن مخلد عنه شاذّة، فكيف تكون دالّة على أن رواية الجماعة وَهَمٌ؟ بل إن سلّمنا أنها وَهَمٌ فهو من مالك، كما جزم به البزار، والدارقطنيّ، ومن تبعهما، أو من الزهريّ حين حدّثه به، والأولى طريق الجمع التي أوضحناها. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو تحقيقٌ مفيدٌ جدًّا.

(فَيَأْتِيهِمْ) أي أهل قباء، وقوله: (وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ) جملة في محل نصب على الحال من الفاعل، أو المفعول، والرابط الواو.

والمعنى: أن ذلك الذاهب يأتي أهل قباء، ويصل إليهم في حال ارتفاع الشمس، دون ذلك الارتفاع الذي صلى فيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولكنها لم تَصِلْ إلى الحدّ الذي توصف به بأنها منخفضة.

وفي هذا الحديث استحباب تقديم صلاة العصر في أول وقتها؛ لوصف الشمس بالارتفاع بعد أن تمضي مسافة أربعة أميال، أو نحو ذلك، وبهذا قال مالك، والشافعي، وأحمد، والجمهور، خلافًا للحنفية، فإنهم قالوا باستحباب تأخيرها، وذهب إليه طائفة من السلف، كما تقدم تفصيل ذلك قريبًا.

قال الحافظ وليّ الدين العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وحاول الطحاويّ تأويل هذا الحديث، وأنه لا يدلّ على التعجيل؛ لجواز أن تكون الشمس مرتفعة، قد اصفرّت، فرَوَى عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أنس أنه قال: "ما أحد أشد تعجيلًا لصلاة العصر من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إن كان أبعد رجلين من الأنصار دارًا من مسجد رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبو لبابة بن عبد المنذر أخو بني عمرو بن عوف، وأبو عبيس بن جبر أحد بني حارثة، ودار أبي لبابة بقباء، ودار أبي عبيس في بني حارثة، ثم إن كانا ليصليان مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- العصر، ثم يأتيان قومهما، وما صلَّوها، لتبكير رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بها".

ثم رَوَى عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس -رضي اللَّه عنه-، قال: "كنا نصلي العصر، ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف، فيجدهم يصلون العصر"، ثم رَوَى حديث الزهريّ عن أنس هذا.


(١) "الفتح" ٢/ ٣٦.