للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم رَوَى عن أبي الأبيض، قال: حدّثنا أنس بن مالك، قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي العصر، والشمس بيضاء، ثم أرجع إلى قومي في ناحية المدينة، فأقول لهم: قوموا، فصلوا، فإن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد صلى".

ثم قال الطحاويّ: فقد اختُلِف عن أنس في هذا الحديث، فكان ما رَوَى عاصم بن عمر بن قتادة، وإسحاق بن عبد اللَّه، وأبو الأبيض عنه يدلّ على التعجيل بها؛ لأن في حديثهم أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصليها ثم يذهب الذاهب إلى المكان الذي ذكروا، فيجدهم لم يصلوا العصر، ونحن نعلم أن أولئك لم يكونوا يصلونها إلا قبل اصفرار الشمس، فهذا دليل التعجيل.

وأما رواية الزهري عن أنس، فقد يجوز أن تكون الشمس مرتفعة، قد اصفرّت، فقد اضطرب حديث أنس؛ لأن معنى ما روى الزهريّ منه بخلاف ما روى إسحاق، وعاصم، وأبو الأبيض عنه. هذا كلام الطحاويّ.

وفيه نظر من أوجه:

[أحدها]: أن هذا الاحتمال الذي ذكره من كونه يأتيهم، والشمس مرتفعة، قد اصفرّت يردّه قوله في رواية أبي داود عن قتيبة، عن الليث، عن الزهريّ، عن أنس: "والشمس مرتفعة حيّة"، كذا رواه البيهقي في "السنن" من طريق ابن داسة، عن أبي داود، وقال في "المعرفة": وفي رواية الليث: "فيأتيهم، والشمس مرتفعة حيّة". انتهى، وحياتها بقاء حرّها ولونها، وهذا ينافي أن تكون قد اصفرّت.

[ثانيها]: لو لم ترد هذه اللفظة: "وهي حيّة"، وكان ارتفاعها لا ينافي صفرتها على ما قرره الطحاويّ، فذلك لا يُحَصِّل مقصوده؛ لأن المصلي مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة إذا وصل إلى قباء التي هي على ثلاثة أميال، والشمس مرتفعة، فذلك دليل التعجيل، ولو كانت الشمس مصفرّة، ولا سيما الرواية التي فيها العوالي وقدّروها أنها على أربعة أميال، وفي رواية ستة أميال، ولو لم يعجل بالعصر أول وقتها لما وصل إلى هذه المسافة إلا بعد الغروب.

[ثالثها]: كيف يَجعَلُ حديث أنس مضطربًا مع أن الروايات عنه لم يتحقق اختلافها؟ وغاية ما ذكره أن رواية الزهريّ عن أنس تحتمل مخالفة رواية الباقين، وقد صرّح هو بذلك في قوله: فقد يجوز أن تكون الشمس مرتفعة قد