للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"حتى إذا اصفرّت الشمس، فكانت بين قرني شيطان، أو على قرني شيطان".

ومعنى "قرني الشيطان": جانبا رأسه، وهو كناية عن قرب الغروب، وذلك لأن الشيطان عند طلوع الشمس، واستوائها، وغروبها ينتصب دون الشمس، بحيث يكون الطلوع والغروب بين قرنيه، فهو محمول على حقيقته، قاله في "المرعاة".

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختلفوا فيه، فقيل: هو على حقيقته، وظاهر لفظه، والمراد أن يحاذيها بقرنيه عند غروبها، وكذا عند طلوعها؛ لأن الكفار يسجدون لها حينئذ، فيقارنها؛ ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له، ويُخَيِّل لنفسه، ولأعوانه أنهم إنما يسجدون له.

وقيل: هو على المجاز، والمراد بقرنيه علوّه، وارتفاعه، وسلطانه، وتسلّطه، وغلبة أعوانه، وسجود مطيعه من الكفار للشمس. انتهى (١).

وقال الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختلفوا في تأويله على وجوه؛ فقال قائل: معناه: مقارنة الشيطان للشمس عند دنوها للغروب، على معنى ما روي أن الشيطان يقارنها إذا طلعت، فإذا ارتفعت فارقها، فإذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها، فحرمت الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة لذلك.

وقيل: معنى "قرن الشيطان" قوته، من قولك: أنا مُقْرِنٌ لهذا الأمر، أي مطيق له، قويّ عليه.

وذلك لأن الشيطان إنما يقوى أمره في هذه الأوقات؛ لأنه يُسَوِّل لعَبَدَة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأزمان الثلاثة، وقيل: قرنه: حزبه، وأصحابه الذين يعبدون الشمس، يقال: هؤلاء قرن، أي نشء جاءوا بعد قرن مضى.

وقيل: إن هذا تمثيل، وتشبيه، وذلك أن تأخير الصلاة إنما هو من تسويل الشيطان لهم وتزيينه ذلك في قلوبهم، وذوات القرون إنما تعالج الأشياء وتدفعها بقرونها، فكأنهم لما دَفَعوا الصلاة، وأخّروها عن أوقاتها بتسويل


(١) "شرح النوويّ" ٥/ ١٢٤.