للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشيطان لهم حتى اصفرّت الشمس، صار ذلك منه بمنزلة ما تعالجه ذوات القرون بقرونها، وتدفعه بأرواقها.

وفيه وجه خامس قاله بعض أهل العلم، وهو أن الشيطان يقابل الشمس حين طلوعها، وينتصب دونها حتى يكون طلوعها بين قرنيه، وهما جانبا رأسه، فينقلب سجود الكفار للشمس عبادة له، وقرنا الرأس: فَوْدَاهُ، وجانباه، وسُمِّي ذو القرنين بذلك؛ لأنه ضرب على جانبي رأسه، فلقّب به. انتهى كلام الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: أرجح هذه الأقوال عندي هذا الوجه الخامس، وقريب منه الوجه الأول، أو هو تفصيل له، وإنما كان هذا أرجح؛ لأن ظاهر النصّ لا يُعْدَل عنه إلا إذا كان فيه ما يصرفه عن ظاهره، وهنا لا داعي لذلك؛ لأن كون الشيطان ينتقل من مكان إلى مكان بحيث يصل إلى محل طلوع الشمس وغروبها غير مستبعد، فلا حاجة لصرف اللفظ عن ظاهره إلى غيره، فتنبّه، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

فقوله: "حتى إذا كانت. . . إلخ" غاية لمراقبته للشمس، يعني أنه يجلس مراقبًا للشمس، ومنتظرًا لها إلى أن صارت بين قرني الشيطان، فعند ذلك قام يسابق غروبها.

وقوله: (قَامَ) جواب "إذا"، أي إلى أداء الصلاة (فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا) من نَقَرَ الطائر الحب نَقْرًا، من باب قتل: التقطه، أي نقر صلاة العصر نقرًا كنقر الطائر الحبّ.

قال ابن الأثير الجزريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يريد تخفيف السجود، وأنه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا النقر عبارة عن سُرْعة حركاته في أركان الصلاة، في ركوعها وسجودها، وخِفّة ذلك، بحيث لا يُتمّ ركوعها، ولا سجودها، فشَبّهه بنقر الطائر، وهو ذمّ لمن فَعَل ذلك. انتهى (٣).


(١) "معالم السنن" ١/ ٢٤١ - ٢٤٢.
(٢) "النهاية" ٥/ ١٠٤.
(٣) "المفهم" ٢/ ٢٥٠.