القاضي عياض: وهو الذي ضبطناه عن جماعة شيوخنا، ووجهه أنه مفعول ثان، أي وُتِرَ هو أهلَهُ ومالَهُ، وقيل: إنه منصوب على نزع الخافض، أي وتر في أهله وماله، فلما حذف الخافض انتصب، قال القاضي عياض والنوويّ: ومن رفع فعلى ما لم يسم فاعله، قال العراقيّ: وفيما قالاه نظر؛ إذ الفعل لم يُسَمَّ فاعله، وهو مبني للمفعول على كل حال، فرواية النصب على أن التارك هو المنقوص، فأقام ضميره مقام الفاعل، فانتصب أهله وماله؛ لأنه مفعول ثان، ورواية الرفع على أن أهله، وماله هم المنقوصون، فأقامه مقام الفاعل، فرفعه.
وقال القاضي أبو بكر ابن العربيّ: إن رفعت فعلى البدل من الضمير في "وُتِرَ". انتهى.
فأما على رواية النصب، فاختلفوا في معناه، فقال الخطابيّ وغيره: معناه نُقِص هو أهله وماله، وسُلِبهم، فبقي وِترًا فردًا بلا أهل ولا مال، فليحذر من تفويتها، كحذره من ذهاب أهله وماله، جزم به الخطابيّ في "المعالم"، وقال في "أعلام الجامع الصحيح": "وُتِرَ": أي نقص، ومنه قوله تعالى:{وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}[محمد: ٣٥]، وقيل: سُلِب أهله وماله، فبقي وترًا، لا أهل له ولا مال. انتهى.
قال العراقيّ: وهذا يخالف ما حكيته عنه أوّلًا، وكذا غاير بينهما غيره، قال ابن بطال: قال "صاحب العين": الوِتْرُ، والتِّرَةُ: الظلم في الدم، يقال منه: وتر الرجل وِترًا، وتِرَةً، فمعنى وتر أهله وماله: سلب ذلك، وحُرِمه، فهو أشدّ لغمه وحزنه؛ لأنه لو مات أهله، وذهب ماله من غير سلب، لم تكن مصيبته في ذلك عنده بمنزلة السلب؛ لأنه يجتمع عليه في ذلك غمان، غم ذهابهم، وغم الطلب بوترهم، وإنما مثّله -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما يفوته من عظيم الثواب، ثم قال: وقد يَحْتَمِل أن يكون عنى بقوله: "فكأنما وُتِرَ أهله وماله" أي نُقِص ذلك، وأُفرِد منه، من قوله تعالى:{وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}، أي لن يَنقُصَكم، والقول الأول أشبه بمعنى الحديث. انتهى.