للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١): معناه عند أهل اللغة، والفقه: أنه يصاب بأهله وماله إصابةً يطلب بها وترًا، والوترُ: الجناية التي يُطْلَب ثأرها، فيجتمع عليه غمان، غم المصيبة بذهاب ماله، وغم مقاساة طلب الثأر.

يقول: فالذي تفوته صلاة العصر لو وُفِّق لرشده، وعَرَف قدر ما فاته من الخير والفضل كان كالذي أصيب بأهله وماله على ما ذكرنا.

قال: وأصل الكلمة من اللغة فإنها مأخوذة من الوتر والتِرة، وهو أن يَجْني الرجلُ على الآخر جناية في دم أو مال، فيطلبه به حتى يأخذ منه ذلك المال أو مثله، ومثل ذلك الدم، وقَلّما يكون ذلك إلا أكثر من الجناية الأولى، فيذهب المال، ويُجْحِف به وبالأهل، وقد يسمى كل واحد منهما موتورًا؛ لذهاب ماله وأهله، قال الأعشى:

عَلْقَمُ مَا أَنْتَ إِلَى عَامِرٍ … النَّاقِضِ الأَوْتَارِ وَالْوَاتِرِ

وقال أعرابيّ:

كَأَنَّمَا الذِّئْبُ إِذْ يَعْدُو عَلَى غَنَمِي … فِي الصُّبْحِ طَالِبَ وَتْرٍ كَانَ فَاتَّأَرَا

وقال منقذ الهلاليّ:

وَكَذَاَك يَفْعَلُ فِي تَصَرُّفِهِ … وَالدَّهْرُ لَيْسَ يَنَالُهُ وَتْرُ

وهذا عندنا أن تفوته صلاة العصر بغير عذر حتى تغيب الشمس ولا يدرك منها ركعة قبل الغروب، ومن قال: إن ذلك أن يؤخرها حتى تصفرّ الشمس فليس بشيء، والدليل على ذلك أن مالكًا قال في "الموطأ" في رواية ابن القاسم في هذا الموضع: "ووقت صلاة الظهر والعصر إلى غروب الشمس".

وقد يَحْتَمِل أن يكون خروج قوله -عليه السلام- في هذا الحديث على جواب سؤال السائل، كأنه قال: يا رسول اللَّه، ما مَثَلُ الذي تفوته صلاة العصر، فقال: هو كمن وتر أهله وماله، فإن كان هذا هكذا فيدخل في معنى العصر حينئذ الصبح والعشاء بطلوع الشمس وطلوع الفجر. انتهى (٢).

وقال الداوديّ من المالكية: معناه يتوجه عليه من الاسترجاع ما يتوجه على مَن فَقَد أهله وماله، فيتوجه عليه الندم، والأسف بتفويت الصلاة، وقيل:


(١) "التمهيد" ١٤/ ١٢١ - ١٢٤.
(٢) "الاستذكار" ٦٥ - ٦٦.