٣ - (ومنها): ما قاله الخطّابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "فافعلوا"، هذا يدلّ على أن الرؤية قد يُرْجَى نيلها بالمحافظة على هاتين الصلاتين. انتهى، وقد يُستَشهَد لذلك بما أخرجه الترمذيّ من حديث ابن عمر يرفعه، قال:"إن أدنى أهل الجنة منزلةً. . . " فذكر الحديث، وفيه:"وأكرمهم على اللَّه مَن ينظر إلى وجهه غدوة وعشية"، وفي سنده ضعف، قاله في "الفتح"(١).
٤ - (ومنها): أنه قيل في مناسبة الأمر بالمحافظة على هاتين الصلاتين عقب ذكر الرؤية: إن أعلى ما في الجنّة رؤية اللَّه عزَّ وجلَّ، وأشرف ما في الدنيا من الأعمال هاتان الصلاتان، فالمحافظة عليهما يُرجى بها دخول الجنّة، ورؤية اللَّه عزَّ وجلَّ فيها كما في الحديث الآخر:"من صلّى البردين دخل الجنّة".
وقيل: هو إشارة إلى أن دخول الجنّة إنما يحصُل بالصلاة مع الإيمان، فمن لا يصلي فليس بمسلم، ولا يدخل الجنّة، بل هو من أهل النار، ولهذا قال أهل النار لَمّا قيل لهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣)} [المدّثر: ٤٢ - ٤٣].
ويظهر وجه آخر في ذلك، وهو أن أعلى أهل الجنّة منزلةً من ينظر إلى وجه اللَّه عزَّ وجلَّ مرّتين بُكرةً وعشيًّا، وعموم أهل الجنّة يرونه في كل جمعة في يوم المزيد.
والمحافظة على هاتين الصلاتين على ميقاتهما، ووضوئهما، وخشوعهما، وآدابهما يُرجى به أن يوجب النظر إلى اللَّه عزَّ وجلَّ في الجنّة في هاتين الوقتين، ويدلّ على هذا ما رَوَى ثُوير بن أبي فاختة قال: سمعت ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن في الجنّة منزلةً لَمَنْ ينظر إلى جنّاته، وأزواجه، ونعيمه، وخَدَمه، وسُرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على اللَّه من يَنظُر إلى وجهه غدوةً وعشيًّا، ثم قرأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)} [القيامة: ٢٢ - ٢٣] "، أخرجه الإمام أحمد، والترمذيّ، وهذا لفظه، وأخرجه أيضًا موقوفًا على ابن عمر، وثُويرٌ فيه ضعفٌ.
وقد رُوي هذا المعنى من حديث أبي بَرْزة الأسلميّ مرفوعًا أيضًا، وفي