للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تَخُصَّ به من تعرفه كما يفعله كثيرون من الناس، ثم إن هذا العموم مخصوص بالمسلمين، فلا يُسَلَّم ابتداءً على كافر. انتهى (١).

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: جَمَعَ له النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بين الإطعام وإفشاء السلام؛ لاجتماعهما في استلزام المحبّة الدينيّة، والأُلفة الإسلاميّة، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أدلّكم على شيء إذا فَعَلتموه تحاببتم؟ أفشُوا السلام بينكم"، رواه مسلم (٢)، وفيه دليلٌ على أن السلام لا يُقْصَرُ على من يُعرف، بل على المسلمين كافّةً؛ لأنه كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "السلام شعارٌ لملّتنا، وأمانٌ لذمّتنا" (٣)، وردّ السلام أوكد من ابتدائه. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى (٤).

وقال أيضًا: جَعَلَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث خير الإسلام إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وفي "المسند" ٤/ ٣٨٥ عن عمرو بن عَبَسَة - رضي الله عنه - أنه سأل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ما الإسلام؟ قال: "لِينُ الكلام، وإطعام الطعام"، ومراده الإسلام التامّ الكامل، وهذه الدرجة في الإسلام فضلٌ، وليست واجبةً، وإنما هي إحسان، وأما سلامة المسلمين من اللسان واليد، فواجبة، إذا كانت من غير حقّ، فإن كانت السلامة من حقّ كان أيضًا فضلًا.

وقد جمع الله تعالى بين الأَفْضَال بالنَّدَى (٥)، وترك الأذى في وصف المتّقين في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ


(١) "شرح مسلم" ٢/ ١٠.
(٢) رواه أحمد ٢/ ٣٩١، ومسلم (٥٤)، والترمذيّ (٢٥١٢).
(٣) هكذا احتجّ القرطبيّ بهذا الحديث، وهو غير صالح للاحتجاج به، فقد رواه الطبرانيّ في "الصغير" ١/ ٧٥ بلفظ "السلام تحيّة … "، وفي "الكبير" (٧٥١٨)، والخطيب في "تاريخه" ٤/ ٣٩٦، والشهاب في "مسنده" (١٨٤)، وفي إسناده طلحة بن زيد، وهو متهم، قال ابن عديّ: روى بهذا الإسناد ستة أحاديث موضوعة، وأورده صاحب "الدرّ الملتقط" برقم (١٧)، وابن الجوزيّ في "الموضوعات" ٣/ ٧٩، لأن في سنده عصمة، وهو كذّاب.
(٤) "المفهم" ١/ ٢٢٢ - ٢٢٣.
(٥) وقع في النسخة بلفظ "بالنداء" والظاهر أنه "بالندى" بالفتح مقصورًا، وهو العطاء، وعليه يدلّ آخر كلامه. والله أعلم.