للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)} [آل عمران: ١٣٤]، فهذا إحسان وفضل، وهو بذل النَّدَى، واحتمال الأذى. وجمع في الحديث بين إطعام الطعام، وإفشاء السلام؛ لأنه به يجتمع الإحسان بالقول والفعل، وهو أكمل الإحسان، وإنما كان هذا خير الإسلام بعد الإتيان بفرائض الإسلام، وواجباته، فمن أتى بفرائض الإسلام، ثم ارتقى إلى درجة الإحسان إلى الناس، كان خيرًا ممن لم يرتق إلى هذه الدرجة، وأفضل أيضًا، وليس المراد أن من اقتصر على هذه الدرجة، فهو خير من غيره مطلقًا، ولا أن إطعام الطعام، ولين الكلام خير من أركان الإسلام، ومبانيه الخمس، فإن إطعام الطعام، والسلام لا يكونان من الإسلام إلا بالنسبة إلى من آمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر.

وقد زعم الحكيميّ (١) وغيره أنه قال: خير الأشياء كذا، والمراد تفضيله من وجه دون وجه، وفي وقت دون وقت، أو لشخص دون شخص، ولا يراد تفضيله على الأشياء كلها، أو أن يكون المراد أنه من خير الأشياء، لا خيرها مطلقًا.

وهذا فيه نظرٌ، وهو مخالف للظاهر، ولو كان هذا حقًّا لما احتيج إلى تأويل قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من قال له: يا خير البريّة، فقال: "ذاك إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -"، وقد تأوله الأئمة، فقال الإمام أحمد: هو على وجه التواضع. ولكن هذا يقرب من قول من تأول "أفضل" بمعنى "فاضل"، وقال: إن "أفعل" لا تقتضي المشاركة، وهذا غير مطّرد عند البصريين، ويُتَأَوَّلُ ما ورد منه، وحكي عن الكوفيين أنه مطّردٌ، لا يحتاج إلى تأويل. انتهى كلام ابن رجب (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما هذا متّفقٌ عليه.


(١) هكذا النسخة "الحكيميّ"، ولعله مصحّف من "الْحَلِيميّ"، والله أعلم.
(٢) "شرح البخاري" ١/ ٤٢ - ٤٤.