والمعنى: أنه إذا رأى الجماعة اجتمعوا عجّل بصلاة العشاء؛ لأن في تأخيرها تنفيرًا لهم.
وبيّن معنى قوله:"أحيانًا يؤخّرها" بقوله: (وَإِذَا رَآهُمْ قَدْ أَبْطَئُوا) من الإبطاء رباعيًّا، أي تأخروا عن الحضور (أَخَّرَ) صلاة العشاء، والمعنى: أنه إذا رأى الجماعة تأخّروا أخّر صلاة العشاء؛ ليحرزوا فضيلة الجماعة، وفي رواية للبخاريّ:"إذا كثر الناس عَجّل، وإذا قَلُّوا أَخَّر"، ونحوه لأبي عوانة في روايةٍ.
وقال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إذا تعارض في شخص أمران: أحدهما أن يُقَدِّم الصلاة في أول الوقت منفردًا، أو يؤخِّرها في الجماعة، أيهما أفضل؟ الأقرب عندي أن التأخير لصلاة الجماعة أفضل، وحديث الباب يدلّ عليه؛ لقوله:"وإذا رآهم أبطئوا أخَّر"، فيؤخر لأجل الجماعة مع إمكان التقديم.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ورواية: "إذا كَثُر الناس عَجّل، وإذا قَلُّوا أَخَّر"، تدلّ على أخصّ من ذلك، وهو أن انتظار من تكثر بهم الجماعة أولى من التقديم، ولا يخفى أن محلّ ذلك ما إذا لم يفحُش التأخير، ولم يَشُقّ على الحاضرين. انتهى (١).
(وَالصُّبْحَ) منصوب على الاشتغال، أي وكان يصلّي الصبح (كَانُوا) خبرها محذوف؛ لدلالة ما بعده عليه، أي كانوا يصلّونها، وقوله:(أَوْ قَالَ)"أو" للشكّ من الراوي، أي أو قال الراوي:(كَانَ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ) بفتحتين: ظلمة آخر الليل.
ولفظ البخاريّ:"والصبحَ كانوا، أو كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلّيها بغلس"، قال الكرمانيّ: الشك من الراوي عن جابر -رضي اللَّه عنه-، ومعناهما متلازمان؛ لأن أيّهما كان يَدْخُل فيه الآخر، إن أراد النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فالصحابة في ذلك كانوا معه، وإن أراد الصحابة فالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إمامهم، أي كان شأنه التعجيل لها دائمًا لا كما كان يصنع في العشاء، من تعجيلها، أو تأخيرها.
وخبر "كانوا" محذوفٌ يدلّ عليه قوله: "يصليها"، أي كانوا يصلون.
وقال ابن بطال: ظاهره أن الصبح كان يصلّيها بغلس اجتَمَعوا، أو لم