وصحف تقرأ للوليد، فأخروا الصلاة، فنظرت إلى سعيد بن جبير، وعطاء يومئان إيماء، وهما قاعدان. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: ما قاله الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- هو الموافق لظواهر الأحاديث، ففيها:"يصلون الصلاة لغير وقتها"، وفيها:"يميتون الصلاة عن وقتها"، وفيها:"تشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها، حتى يذهب وقتها"، وكلها تقدمت، فتأويل هذه النصوص بتأخيرها عن وقتها المستحب تكلف بارد، وتعسف كاسد.
والحاصل أن الأَوْلى أن يُحْمَل الإخراج على ظاهره، فهم يخرجونها عن وقتها لاشتغالهم بأمورهم، لا جحدًا لوجوبها، فإنهم لو أخروها جحدًا وجب مقاتلتهم، وتحرم الصلاة خلفهم، واللَّه تعالى أعلم.
(قَالَ) أبو ذرّ -رضي اللَّه عنه- (قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي) أي أي شيء تأمرني به، هل أصليها لنفسي، أم لا؟ (قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا) أي في وقتها المستحبّ، وفي رواية البيهقي: "فصلوا في بيوتكم للوقت الذي تعرفون. . . " (فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا) أي الصلاة التي صلّيتها لنفسك (مَعَهُمْ) وقد بُيِّنَ معنى إدراكها معهم في الرواية الآتية من طريق بُدَيل، عن أبي العالية، ففيها: "صل الصلاة لوقتها، ثم اذهب لحاجتك، فإن أقيمت الصلاة، وأنت في المسجد، فصلّ"، فقد أفادت هذه الرواية أن المراد بالإدراك هو أن تقام الصلاة، وهو في المسجد، فأما إذا ذهب لحاجته قبل أن تقام، فليس عليه أن يرجع.
(فَصَلِّ) تلك الصلاة جماعةً؛ إحرازًا للفضيلتين، فضيلةِ المبادرة بأداء الصلاة في أول الوقت، وفضيلةِ صلاة الجماعة (فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ") أي إن تلك الصلاة التي صلّيتها معهم نافلةٌ؛ لأن الفرض سقط بالصلاة الأولى.
وهذا الأمر للاستحباب، بدليل ما رواه أبو داود بإسناد صحيح، من حديث عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه-، وفيه: فقال رجل: يا رسول اللَّه، أصلي معهم؟، قال:"نعم إن شئت"، فدلّ على أنه لو ترك الصلاة معهم لا شيء عليه.