ثم إن محل النزاع إنما هو في صحة الصلاة خلف من لا عدالة له، وأما أنها مكروهة فلا خلاف في ذلك. انتهى كلام الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- باختصار (١)، وهو تحقيقٌ نفيس جدًّا.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن مما سبق من ذكر أقوال أهل العلم، وأدلّتهم في المسألة أن أرجحها هو القول بجواز الصلاة خلف من صحت صلاته لنفسه من كل بالغ مسلم، وإن كانت سيرته غير محمودة؛ لأن أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كانوا يصلون خلف من لا يحمدون سيرته من السلاطين وغيرهم، كما صرح به الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فيما سبق، وهو الذي عليه جمهور السلف والخلف، فتصح الصلاة خلف أئمة الجَوْر، وأهل الأهواء الذين لا يكفّرون بأهوائهم، وإن كان الأولى الصلاة خلف الأئمة الصلحاء، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم مَن صلى صلاة، ثم وَجَد جماعة:
ذهب جمهور الفقهاء -كما قال الحافظ أبو عمر -رَحِمَهُ اللَّهُ- إلى أن من صلى في بيته وحده، ثم دخل المسجد، فأقيمت تلك الصلاة يصليها معهم، ولا يخرج حتى يصلي، وأما من صلى جماعة، فلا يعيد، وممن قال بهذا القول مالك بن أنس، وأبو حنيفة، والشافعي، وأصحابهم. واحتجُّوا بحديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- مرفوعًا:"لا تصلوا صلاة في يوم مرتين"، أخرجه أبو داود، والنسائيّ، وصححه ابن خزيمة، وابن حبّان.
وذهب أحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهويه، وهو قول داود إلى أنه يصليها ثانية في جماعة، قال أحمد: ولا يجوز له أن يخرج إذا أقيمت الصلاة حتى يصليها، وإن كان قد صلى في جماعة واحتجّ بقول أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- في الذي خرج عند الإقامة من المسجد: أما هذا فقد عصى أبا القاسم -صلى اللَّه عليه وسلم-.
ورُوي عن أبي موسى الأشعري، وحذيفة بن اليمان، وأنس بن مالك،