والحاصل أن الراجح قول أحمد، وإسحاق، ومن قال بقولهما من مشروعيّة إعادة من صلى إذا وجد جماعة مطلقًا، سواء صلى وحده، أو مع جماعة، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم، هل تعاد جميع الصلوت، أم لا؟:
قال أبو عمر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: واختلف الفقهاء فيما يعاد من الصلوات مع الإمام لمن صلاها في بيته، فقال مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ-: تعاد الصلوات كلها مع الإمام، إلا المغرب وحدها، فإنه لا يعيدها؛ لأنها تصير شفعًا، قال: ومن صلى في جماعة، ولو مع واحد، فإنه لا يعيد تلك الصلاة إلا أن يعيدها في مسجد النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو المسجد الحرام، أو المسجد الأقصى، وقال: إنه لا يدري أيُّ صلاتيه فريضته، وإنما ذلك إلى اللَّه، يجعلها أيتها شاء، ولا يقول: إنها نافلة، ونقل مثل ذلك عن ابن عمر، وابن المسيب رحمهما اللَّه تعالى.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: لكن هذا مُعارِضٌ للنصوص الصحيحة الصريحة؛ حيث جعلت الثانية هي النافلة، ففي حديث الباب:"كانت لك نافلة"، وفي حديث الرجلين:"فإنها لكما نافلة"، وفي حديث ابن مسعود عند النسائيّ:"فصلوها معهم، واجعلوها سُبْحة"، فكلّها نصوص صريحة، في كون الثانية نافلةً، وتأويلهم بأن النافلة بمعنى فضيلة، وزيادة خير، وليس بمعنى التطوع، كما في قوله تعالى:{نَافِلَةً لَكَ}[الإسراء: ٧٩] تأويل بعيد؛ إذ لا دليل عليه.
(١) هو ما أخرجه الترمذيّ، والنسائيّ، من طريق يعلى بن عطاء، عن جابر بن يزيد بن الأسود العامريّ، عن أبيه، قال: شهدت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة الفجر في مسجد الخيف، فلما قضى صلاته، إذا هو برجلين في آخر القوم، لم يصليا معه، قال: "عليّ بهما"، فأُتي بهما تَرْعَد فرائصهما، فقال: "ما منعكما أن تصليا معنا؟ " قالا: يا رسول اللَّه إنا قد صلينا في رحالنا، قال: "فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة، فصليا معهم، فإنها لكما نافلة"، حديث صحيح.