وأما حديث:"فصلّ معهم، وإن كنت قد صلّيت، تكن لك نافلة، وهذه مكتوبة"، رواه أبو داود، فضعيف (١)، لا يقاوم هذه الأحاديث الصحيحة، فتبصّر، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وقال أبو حنيفة وأصحاب أبو حنيفة -رحمهم اللَّه-: لا يعيد المصلي وحده العصر مع الإمام، ولا الفجر ولا المغرب، ويصلي معه الظهر والعشاء، ويجعل صلاته مع الإمام نافلة. قال محمد بن الحسن: لأن النافلة بعد العصر والصبح لا تجوز، ولا تعاد المغرب؛ لأن النافلة لا تكون وترًا في غير الوتر.
وقال الأوزاعيّ: يعيد جميع الصلوات، إلا المغرب والفجر، وهو قول عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-؛ لحديث:"لا وتران في ليلة"، وحديث:"لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس"، وأما العصر فقد ثبت جواز الصلاة بعدها ما كانت الشمس بيضاء نقية، والنهي الوارد محمول على ما بعد ذلك.
وهذا مذهب جماعة من السلف، كابن عمر، وقد استوفيت البحث في هذا في "شرح النسائيّ" في [باب الرخصة في الصلاة بعد العصر] برقم (٥٧٣)، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.
وقال الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: تعاد الصلوات كلها؛ لحديث محجن الذي تقدّمت الإشارة إليه، حيث لم يخص له -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاةً من صلاة، بل قال له:"فصلِّ مع الناس، وإن كنت قد صليت"، قال: والأولى هي الفريضة، والثانية سنة، وهو
(١) هو: ما أخرجه أبو داود (٥٧٧) من طريق سعيد بن السائب، عن نوح بن صعصعة، عن يزيد بن عامر، قال: جئت والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الصلاة، فجلست، ولم أدخل معهم في الصلاة، قال: فانصرف علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرأى يزيد جالسًا، فقال: "ألم تسلم يا يزيد؟ "، قال: بلى يا رسول اللَّه، قد أسلمت، قال: "فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم؟ "، قال: إني كنت قد صليت في منزلي، وأنا أحسب أن قد صليتم، فقال: "إذا جئت إلى الصلاة، فوجدت الناس، فصلِّ معهم، وإن كنت قد صليت، تكن لك نافلة، وهذه مكتوبة"، حديث ضعيف؛ لأن في سنده نوح بن صعصعة مجهول الحال، كما قال الدارقطنيّ، ومع هذا فقد خالف حديثه أحاديث الأثبات، فهو منكر، لا يصلح للاحتجاج به فتبصّر، راجع "شرح النسائيّ" ١٠/ ٣٣٨.