للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"باب اثنان في فوقهما جماعة"، قال النوويّ في "الخلاصة": ويُستَدَلّ فيه أيضًا بالإجماع، قال العراقيّ: وفي الإجماع نظرٌ، وقد حكى ابن الرفعة في "الكفاية" خلافًا في أن أقلّ الجماعة ثلاثة، وهو ضعيف، وحكاه ابن بطال في "شرح البخاريّ"، عن الحسن البصريّ. انتهى (١).

٣ - (ومنها): أن فيه الردَّ على من جعل الجماعة من شروط صحّة الصلاة، وهو داود الظاهريّ، ووجه دلالته أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أثبت لمن صلّى وحده صلاةً، فلو كانت الجماعة شرطًا لما صحتّ صلاته، وقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذّ"، وقال: "تفضل صلاة الجماعة على صلاة الرجل وحده"، فجعل لمن صلّى وحده صلاة صحيحة، لها ثواب دون ثواب من صلّى مع الجماعة، واللَّه تعالى أعلم.

وأما قول العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه ردّ على داود الظاهريّ، وأبي ثور، وابن المنذر، وابن خزيمة، فيما ذهبوا إليه من أن الجماعة فرض عين، وحُكي أيضًا عن أحمد، وعزاه بعضهم قولًا للشافعي فيما حكاه الرافعيّ.

ففيه نظر لا يخفى؛ لأن الحقّ مع هؤلاء في كون الجماعة فرض عين، على ما سيأتي تحقيقه في المسألة التالية -إن شاء اللَّه تعالى-.

٤ - (ومنها): أنه استدَلَّ به بعض المالكية للمشهور عن مالك، أنه لا فضل لجماعة على جماعة؛ لأنه جعل الجماعات كلها بسبع وعشرين، وخمس وعشرين، ولم يفرِّق بين جماعة وجماعة.

وذهب الشافعيّ، والجمهور إلى أن الجماعات تتفاوت؛ لما روى أبو داود، والنسائيّ، وابن ماجه، بإسناد حسن، من حديث أُبَيّ بن كعب -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثُر فهو أحب إلى اللَّه تعالى" (٢).

وليس في حديث الباب حجةٌ لمن تعلق به في تساوي الجماعات؛ لأنا


(١) "طرح التثريب" ٢/ ٢٩٦.
(٢) حديث حسنٌ، أخرجه أبو داود في "سننه" برقم (٥٥٤)، والنسائيّ في "المجتبى" برقم (٨٤٣).