للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[والجواب]: - والله أعلم - هو إظهار رأفته - صلى الله عليه وسلم - بالأمة، وإلحاقه بالكلّ من أصحابه - رضي الله عنهم -، كأنه قال: المسلم الكامل من تشبّه بهم، واتّصف بصفتهم التي وصفهم الله تعالى بها في قوله تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}، وكان شدّتهم على الكفار المجاهدة بالسنان واللسان، وترحّمهم على إخوانهم المسلمين بكفّ الأذى، والإيثار بالموجود، كما قال الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩]، فخصّ بما يُنبئ عن كفّ الأذى؛ ليؤذن بغاية التواضع والذّلّة، تلويحًا إلى معنى قوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: ٥٤]، ولما كانت عزّتهم على الكفرة وقهرهم باليد واللسان، فينبغي أن ينتفي عنهم ما كانت العزّة له، وهو يستلزم الإيثار بطريق الأولى، وفي تقديم ذكر اللسان على اليد رمز إلى معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - لحسّان - رضي الله عنه -: "اهج المشركين، فإنه أشقّ عليهم من رشق النبل" (١)، أو كما قال. انتهى (٢).

وقال في "الفتح":

[تنبيه]: ذِكْرُ المسلمين هنا خَرَج مَخْرَج الغالب؛ لأن محافظة المسلم على كفّ الأذى عن أخيه المسلم أشدُّ تأكيدًا، ولأن الكفار بصَدَد أن يقاتَلُوا، وإن كان فيهم من يَجِب الكفّ عنه، والإتيان بجمع التذكير للتغليب، فإن المسلمات يدخلن في ذلك، وخَصَّ اللسان بالذكر؛ لأنه المعبِّر عما في النفس، وهكذا اليد؛ لأن أكثر الأفعال بها، والحديث عامّ بالنسبة إلى اللسان دون اليد؛ لأن اللسان يمكنه القول في الماضين والموجودين والحادثين بعدُ، بخلاف اليد، نعم يُمكن أن تُشارِك اللسانَ في ذلك بالكتابة، وأن أثرها في ذلك لعظيم، ويُستَثْنَى من ذلك شرعًا تعاطي الضرب باليد في إقامة الحدود والتعازير، على المسلم المستحِقِّ لذلك.

وفي التعبير باللسان دون القول نكتةٌ، فيدخُل فيه مَن أخرج لسانه على سبيل الاستهزاء، وفي ذكر اليد دون غيرها من الجوارح نكتة، فيدخل فيها اليد المعنوية، كالاستيلاء على حقّ الغير بغير حقّ.


(١) أخرجه مسلم ولفظه: "اهجوا قريشًا، فإنه أشدّ عليها من رشق النبل".
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٤٤١ - ٤٤٢.