وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد تقرّر أن اتّحاد الفاعل والمفعول إنما يسوغ في أفعال القلوب، وأنها من الدواخل على المبتدأ والخبر، والمفعول الثاني الذي هو بمنزلة الخبر هنا محذوف، وسدّ قوله:"وما يتخلّف عنها" وهو حالٌ مسدّه.
وفي الرواية الماضية من طريق عبد الملك بن عمير، عن أبي الأحوص:"قال عبد اللَّه: لقد رأيتنا، وما يتخلف عن الصلاة إلا منافقٌ، قد عُلِم نفاقه، أو مريضٌ، إن كان المريض ليمشي بين رجلين، حتى يأتي الصلاة".
قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقوله: "إن كان" استئناف، والتنكير في "مَرِيضٌ" للتفخيم، أي ما يتخلّف إلا منافقٌ، أو مريضٌ بَيِّنُ المرض عاجز، فتوجّه لسائل أن يقول: فما بال المريض الذي ليس كذلك؟ فأُجيب:"إن كان المريض. . . إلخ".
وفيه من التشديد والتأكيد ما لا يخفى، من الإتيان بـ "إن" المخفّفة، واللام المؤكّدة الفارقة، والإبهام بإضمار ضمير الشأن، وخصوصيّة التهادي المنبئ عن كمال اعتنائه بشأن الجماعة، كلُّ ذلك تشديد وتأكيدٌ لترك التخلّف عن الجماعة. انتهى (١).
(عَنْهَا) أي عن صلاة الجماعة في المسجد (إِلَّا مُنَافِقٌ، مَعْلُومُ النِّفَاقِ) ولأبي داود: "بَيِّنُ النفاق" أي ظاهر نفاقه (وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ) المراد به الرجل المريض (يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى) بالبناء للمفعول (بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ) وفي نسخة: "بين رجلين" بالتنكير، والمعنى: أنه يمشي بينهما، يمسكانه من جانبيه بعضديه، يَعْتَمِد عليهما، من ضعفه وتمايله؛ لشدة المرض، وهو من تهادت المرأة: إذا تمايلت (حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ) أي حتى يقيمه الرجلان في الصفّ، وفي هذا كله تأكيد أمر الجماعة، وتَحَمُّل المشقة في حضورها، وأنه إذا أمكن المريضَ ونحوَهُ التوصل إليها ينبغي أن يحضرها، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- هذا من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-.