قال الإمام الترمذيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد ذكر الحديث ما نصُّهُ: وعلى هذا العمل عند أهل العلم، من الصحابة، ومن بعدهم أن لا يخرج أحدٌ من المسجد إلا من عذر، أن يكون على غير وضوء، أو أمر لا بدّ منه، ويُرْوَى عن إبراهيم النخعيّ أنه قال: يخرج ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة، وهذا عندنا لمن له عذر في الخروج منه. انتهى.
وعن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب قال: يقال: لا يخرج من المسجد أحد بعد النداء إلا أحد يريد الرجوع إليه، إلا منافق.
قال الحافظ أبو عمر -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "التمهيد": وهذا لا يقال مثله من جهة الرأي، ولا يمكن إلا توقيفًا، وقد رُوي معناه مسندًا عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلذلك أدخلناه.
ثم أخرج بأسانيده حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- المذكور في الباب، ثم قال: قال أبو عمر: أجمعوا على القول بهذا الحديث لمن لم يُصَلِّ، وكان على طهارة، وكذلك إذا كان قد صلى وحده، إلا لما لا يعاد من الصلوات، فإذا كان ما ذكرنا فلا يحلّ له الخروج من المسجد بإجماع إلا أن يخرج للوضوء، وينوي الرجوع.
واختلفوا فيمن صلى في جماعة، ثم أذن المؤذن وهو في المسجد لتلك الصلاة.
وقد كره جماعة من العلماء خروج الرجل من المسجد بعد الأذان، إلا للوضوء لتلك الصلاة بنيّة الرجوع إليها، وسواء صلى وحده، أو في جماعة، أو جماعات، وكذلك كرهوا قعوده في المسجد، والناس يصلون؛ لئلا يتشبه بمن ليس على دين الإسلام، وسواء صلى أو لم يصلّ.
والذي عليه مذهب مالك: أنه لا بأس بخروجه من المسجد إذا كان قد صلى تلك الصلاة في جماعة، وعلى ذلك أكثر القائلين بقوله، إلا أنهم يكرهون قعوده مع المصلين بلا صلاة، ويستحبون له الخروج والبعد عنهم.
قال مالك: دخل أعرابيّ المسجد، وأذن المؤذن، فقام يَحُلّ عِقَال ناقته ليخرج، فنهاه سعيد بن المسيِّب، فلم ينته، فما سارت به غير يسير حتى وقعت به، فأصيب في جسده، فقال سعيد: قد بلغنا أنه من خرج بين الأذان والإقامة