للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهذا غير الأمان الذي ثبت له بكلمة التوحيد (فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ) أي لا يؤاخذكم، وهو من باب: "لا أرينّك ههنا"، والمراد نهيهم عن أذيّته، والتعرّض لما يوجب مطالبة اللَّه إياهم (١). (مِنْ ذِمَّتِهِ) "من" بمعنى "لأجل"، والضمير في "ذمّته" إما للَّه تعالى، وإما لـ "مَنْ" وفيه مضاف محذوف، أي لأجل ترك ذمّته، أو "من" بيانيّة، والجارّ والمجرور حالٌ عن "شيء"؛ لأنه في الأصل نعت له، فلما قُدّم عليه أعرب حالًا؛ لأن القاعدة أن نعت النكرة إذا قُدّم عليها يُعرب حالًا، كما في قول الشاعر:

لِمَيَّةَ مُوحِشًا طَلَلُ … يَلُوحُ كَأَنَّهُ خِلَلُ

(بِشَيْءٍ) أي يسير، وفي "المصابيح": "بشيء من ذمّته": قيل: أي بنقض عهده، والتعرّض لمن له ذمّة بالأذى، أو المراد بالذّمّة الصلاة الموجبة للأمان، أي لا تتركوا صلاة الصبح، فينتقض به العهد الذي بينكم وبين ربّكم، فيطلبكم به (٢).

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "لا يطلبنّكم اللَّه" من باب: "لا أرينّك ها هنا" وقع النهي على مطالبة اللَّه تعالى إياهم عن نقض العهد، والمراد نهيهم عن التعرّض لما يوجب مطالبة اللَّه إياهم، وفيه مبالغات؛ لأن الأصل: لا تُخْفِروا ذمّته، فجيء بالنهي كما ترى، وصرّح بضمير اللَّه، ووضع المنهيّ الذي هو مسبَّبٌ موضعَ التعرّض الذي هو سبب فيه، ثم أعاد المطلب، وكرّر الذمّة، ورتَّبَ عليه الوعيد.

والمعنى: من صلّى صلاة الصبح، فهو في ذمّة اللَّه تعالى، فلا تتعرّضوا له بشيء يسير، فإنكم إن تعرّضتم له يُدرككم اللَّه تعالى، ولن تفوتوه، فيُحيط بكم من جوانبكم، كما يُحيط المحيط بالمحاط، ويكبّكم في النار.

قال: والضمير في "ذمّته" يجوز أن يعود إلى اللَّه تعالى، وإلى "مَنْ".

وقيل: يَحْتَمِلُ أن يكون المراد بالذمّة الصلاة المقتضية للأمان، فيكون المعنى: لا تتركوا صلاة الصبح، فينتقض العهد الذي بينكم، وبين ربّكم، فيطلُبكم به.


(١) "المرعاة" ٢/ ٢٣٤.
(٢) "المرعاة" ٢/ ٢٣٤.