للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في ترتيب الأحق بالإمامة:

قال الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذه مسألة اخْتَلَف فيها السلف:

فقال مالك: يؤم القوم أعلمهم إذا كانت حاله حسنة، وللسنّ حقٌّ، قيل له: فأكثرهم قرآنًا؟ قال: لا، قد يقرأ من لا يكون فيه خير.

وقال الثوريّ: يؤمهم أقرؤهم، فإن كانوا سواءً، فأعلمهم بالسنّة، فإن استووا، فأسنّهم.

وقال الأوزاعيّ: يؤمهم أفقههم في دين اللَّه.

وقال أبو حنيفة: يؤمهم أقرؤهم لكتاب اللَّه، وأعلمهم للسنّة، فإن استووا في القراءة والعلم بالسنّة، فأكبرهم سنًّا، فإن استووا في القراءة، والفقه، والسن فأورعهم، قال محمد بن الحسن، وغيره: إنما قيل في الحديث: "أقرؤهم" لأنهم أسلموا رجالًا، فتفقهوا فيما عَلِمُوا من الكتاب والسنّة، أما اليوم فيتعلمون القرآن، وهم صبيان، لا فقه لهم.

وقال الليث: يؤمهم أفضلهم، وخيرهم، ثم أقرأهم، ثم أسنهم إذا استووا.

وقال الشافعيّ: يؤمهم أقرؤهم، وأفقههم، فإن لم يجتمع ذلك، قُدِّم أفقههم إذا كان يقرأ ما يكتفى به في صلاته، وإن قُدِّم أقرؤهم، وعَلِمَ ما يلزمه في الصلاة فحسن.

وقال الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل: رجلان أحدهما أفضل من صاحبه، والآخر أقرأ منه؟ فقال: حديث أبي مسعود: "يؤم القوم أقرؤهم"، قال: ألا ترى أن سالمًا مولى أبي حذيفة كان مع خيار أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، منهم عمر، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وكان يؤمهم؛ لأنه جمع القرآن، وحديث عمرو بن سَلِمَة: "أفهم للقرآن"، فقلت له: حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مروا أبا بكر، فليصلّ بالناس" أليس هو خلاف حديث أبي مسعود عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يؤم القوم أقرؤهم"؟، فقال: إنما قوله لأبي بكر: "يصلي بالناس" إنما أراد الخلافة، وكان لأبي بكر فضل بَيِّن على غيره، وإنما الأمر في الإمامة إلى القراءة، وأما قصة أبي بكر فإنما أراد الخلافة. انتهى كلام ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).


(١) "التمهيد" ٢٢/ ١٢٤.