للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقوله في حديث أبي مسعود: "أقرؤهم" قيل: المراد به الأفقه، وقيل: هو على ظاهره، وبحسب ذلك اختلف الفقهاء، قال النووي: قال أصحابنا: الأفقه مقدم على الأقرأ، فإن الذي يُحتاج إليه من القراءة مضبوط، والذي يُحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، فقد يعرض في الصلاة أمر، لا يقدر على مراعاة الصلاة فيه إلا كامل الفقه، ولهذا قَدَّم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا بكر في الصلاة على الباقين، مع أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَصَّ على أن غيره أقرأ منه، كأنه عنى حديث: "أقرؤكم أُبَيّ"، قال: وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه.

قال الحافظ: وهذا الجواب يلزم منه أن مَن نَصَّ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على أنه أقرأ من أبي بكر كان أفقه من أبي بكر، فيفسد الاحتجاج بأن تقديم أبي بكر كان لأنه الأفقه.

ثم قال النوويّ بعد ذلك: إن قوله في حديث أبي مسعود: "فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنّة، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم في الهجرة" يدلُّ على تقديم الأقرأ مطلقًا. انتهى.

قال الحافظ: وهو واضح للمغايرة، قال: ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفًا بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة، فأما إذا كان جاهلًا بذلك، فلا يقدَّم اتفاقًا، والسبب فيه أن أهل ذلك العصر كانوا يعرفون معاني القرآن لكونهم أهل اللسان، فالأقرأ منهم، بل القارئ كان أفقه في الدين من كثير من الفقهاء الذين جاءوا بعدهم. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وقال الحافظ أبو بكر بن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد ذكر الأقوال المتقدِّمة ما نَصُّهُ: القول بظاهر خبر أبي مسعود -رضي اللَّه عنه- يجب، فيُقَدِّم الناسُ على سبيل الوجوب ما قدَّمه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، لا يجاوَزُ ذلك، ولو قُدِّم إمام غير هذا المثال كانت الصلاة مجزية، ويكره خلافُ السنّة. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن المنذر هو الرأي الصواب عَمَلًا بظاهر النصّ.


(١) "الفتح" ٢/ ٢٠١.
(٢) "الأوسط" ٤/ ١٥٠.